الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن
الكريم والسنة النبوية المطهرة.
(24) محاربة
دين الله (الإسلام )
لقد سعى
اليهود واجتهدوا في القضاء على الإسلام، بل ووأده قبل مولده، وذلك لأنه لم يوافق
آمالهم وأطماعهم، لذلك اتخذوا من الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) ومن
الإسلام نفس الموقف الذي اتخذوه من السيد المسيح – عليه السلام – ومن المسيحية،
ولقد خلدت آيات القرآن الكريم هذا السعي من اليهود في محاربة الإسلام في قوله
تعالى:
{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } (1) سورة
التوبة.32
قال الإمام الطبري:
يقول تعالى ذكره: يريد هؤلاء
المتخذون أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أرباباً { أنْ يُطْفِئُوا
نُورَ اللَّهِ بأفْوَاهِهِمْ } يعني: أنهم يحاولون بتكذيبهم بدين الله الذي
ابتعث به رسوله وصدّهم الناس عنه بألسنتهم أن يبطلوه، وهو النور الذي
جعله الله لخلقه ضياء.
{ ويَأبَى اللَّهُ إلاَّ أنْ يُتِمَّ نُورَهُ
} يعلو دينه وتظهر كلمته، ويتمّ الحقّ الذي بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه
وسلم، ولو كره إتمام الله إياه الكافرون، يعني: جاحديه المكذّبين
به. (2) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
قال الإمام الرازي
اعلم أن المقصود منه بيان
نوع ثالث من الأفعال القبيحة الصادرة عن رؤساء اليهود والنصارى، وهو سعيهم في إبطال
أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وجدهم في إخفاء الدلائل الدالة
على صحة شرعه وقوة دينه، والمراد من النور: الدلائل الدالة على صحة نبوته، وهي
أمور كثيرة جداً.
أحدها: المعجزات القاهرة التي ظهرت على يده، فإن المعجز إما
أن يكون دليلاً على الصدق أو لا يكون، فإن كان دليلاً على الصدق، فحيث
ظهر المعجز لا بد من حصول الصدق، فوجب كون محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً،
وإن لم يدل على الصدق قدح ذلك في نبوة موسى وعيسى عليهما السلام.
وثانيها: القرآن
العظيم الذي ظهر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم مع
أنه من أول عمره إلى أخره ما تعلم وما طالع وما استفاد وما نظر في كتاب، وذلك من
أعظم المعجزات.
وثالثها: أن حاصل شريعته تعظيم الله والثناء عليه، والانقياد
لطاعته وصرف النفس عن حب الدنيا، والترغيب في سعادات الآخرة.
والعقل يدل على أنه لا طريق إلى الله إلا من هذا الوجه.
ورابعها: أن شرعه كان خالياً عن جميع
العيوب، فليس فيه إثبات ما لا يليق بالله، وليس فيه
دعوة إلى غير الله، وقد ملك البلاد العظيمة، وما غير طريقته في استحقار
الدنيا، وعدم الالتفات إليها، ولو كان مقصوده طلب الدنيا لما بقي الأمر كذلك،
فهذه الأحوال دلائل نيرة وبراهين قاهرة في صحة قوله.
ثم إنهم بكلماتهم
الركيكة وشبهاتهم السخيفة، وأنواع كيدهم ومكرهم، أرادوا إبطال هذه الدلائل، فكان
هذا جارياً مجرى من يريد إبطال نور الشمس بسبب أن ينفخ فيها،
وكما أن ذلك باطل وعمل ضائع، فكذا ههنا، فهذا هو المراد من قوله: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ } ثم
إنه تعالى وعد
محمداً صلى الله عليه وسلم مزيد النصرة والقوة وإعلاء الدرجة وكمال الرتبة فقال: {
وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ
أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ
ٱلْكَـٰفِرُونَ }
فإن قيل: كيف جاز أبى الله إلا كذا، ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا
زيداً؟
قلنا: أجرى
(أَبَىٰ ) مجرى
لم يرد، والتقدير: ما أراد الله إلا ذلك، إلا أن الإباء
يفيد زيادة عدم الإرادة وهي المنع والامتناع، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " وإن أرادوا ظلمنا أبينا " فامتدح بذلك،
ولا يجوز أن يمتدح بأنه يكره الظلم، لأن ذلك يصح من القوي والضعيف، ويقال: فلان
أبى الضيم، والمعنى ما ذكرناه، وإنما سمى الدلائل بالنور لأن النور يهدي إلى
الصواب فكذلك الدلائل تهدي إلى الصواب في الأديان. (3) تفسير مفاتيح
الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
قال الإمام الشوكاني:
قوله: { يُرِيدُونَ أَن
يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ } هذا
كلام يتضمن ذكر نوع آخر
من أنواع ضلالهم وبعدهم عن الحق، وهو ما راموه من إبطال الحق بأقاويلهم الباطلة، التي
هي مجرّد كلمات ساذجة، ومجادلات زائفة، وهذا تمثيل لحالهم في محاولة
إبطال دين الحق، ونبوّة نبيّ الصدق، بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم قد أنارت
به الدنيا، وانقشعت به الظلمة، ليطفئه ويذهب أضواءه { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ
أَن يُتِمَّ نُورَهُ } أي: دينه القويم.
وقد قيل:
كيف دخلت إلا الاستثنائية على يأبى، ولا يجوز كرهت أو بغضت إلا زيداً. قال الفراء: إنما دخلت لأن في الكلام
طرفاً من الجحد.
وقال الزجاج: إن العرب تحذف مع "
أبى " ، والتقدير: ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم نوره.
وقال علي بن سليمان: إنما جاز هذا في أبى، لأنها منع أو امتناع فضارعت النفي.
قال النحاس: وهذا أحسن. كما قال الشاعر:
وهل لي أمّ غيرها إن تركتها
|
|
أبى
الله إلا أن أكون لها ابنا
|
(4) تفسير فتح القدير/ الشوكاني
- ومما جاء في سنة الحبيب – صلى الله عليه وسلم – يؤكد محاربة
اليهود للإسلام، ويؤكد تلك النية التي تأصلت
في نفوس وقلوب اليهود في محاربة الإسلام والمسلمين، هذا على الرغم من علمهم يقينا
بصدق الرسالة والرسول – صلى الله عليه وسلم – ما ذكرته أم المؤمنين السيدة:صفية
بنت حيي بن أخطب حيث تحكي:
ما كان
يضمره اليهود لرسالة الإسلام، ولرسولها – محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم –
وذلك من خلال عرضها لموقف أبيها حيي بن أخطب، وعما أبا ياسر صاحبا خيبر حيث تقول
بعد أن أسلمت، وتركها لدين اليهود:
{ كنت أحب
ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر لم ألقهما قط معْ ولدًهما إلا أخذاني دونه، فلما
قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة، ونزل قباء غدا عليه أبي وعمي
مغلسين، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالين ساقطين يمشيان الهوينا،
فهششت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما التفتْ إليً واحد منهما مع ما بهما من
الغم، وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو.؟!!! قال: نعم والله، قال عمي:
أتعرفه وتثبته ؟!!! قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟!!! أجاب: عداوته والله ما
بقيت } (5) السيرة: ج2 ص 165،
ووفاء الوفا ج1 ص 270
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق