الثلاثاء، 14 فبراير 2012

اثنان وعشرون: الحملة الصليبية الخامسة --- الفصل الخامس: موقف الغرب( المسيحية السياسية) من الإسلام. (2) مختصر عن الحروب الصليبية اثنان وعشرون: الحملة الصليبية الخامسة


الفصل الخامس:
موقف الغرب( المسيحية السياسية)
من الإسلام.
(2) مختصر عن الحروب الصليبية

اثنان وعشرون: الحملة الصليبية الخامسة:
 
خط سير الحمله و الجيوش الاوروبيه المشاركه.
تعرضت مصر في سنة 1218 لحملة صليبية يقودها " جان دى بريين " Jean de   Brienne ملك بيت المقدس الأسمى و الكاردينال بلاجيو جالفانى Cardinal     Pelagio Galvani نائب البابا، و هذا كان تطور خطير في الحروب الصليبية، لأن مصر من يومها أصبحت هدفا للصليبيين، الذين أدركوا أن مصر بإمكانياتها البشرية والاقتصادية الضخمة حصن قوي، ومصدر كبير لإمدادات العسكر والسلاح، فإذا استولوا عليها سهل ذلك عليهم الاستيلاء على بيت المقدس، و أخد الشام .
 الملك جان دى بريين قائد الحملة الصليبية الخامسة
الحملة الصليبية الخامسة كانت حملة صليبية مميزة، و كانت أول حملة تُشن على مصر بأمر بابوي، فالبابا اينوسينت الثالث Innocent III قد بشر و روج لهذه الحملة، و النائب البابوي الكاردينال بلاجيو كان هو القائد الفعلي للحملة، وهذا يعطي الحملة طابع لاهوتي وليس عسكري أو سياسي كالحملات الصليبية السابقة، ويدعم ذلك وقائع الحملة التي تم تدوينها عن طريق الاهوتيين، اللذين شاركوا في الحملة مثل اوليفر فون بادربورن Oliver von Paderborn و جاك دى فيترى Jacques de Vitry.  هذا بخلاف أنه أثناء الحملة سك الصليبيين عمله في دمياط و عمدوا أطفال مسلمين عنوة بعد أسرهم
 الكاردينال بلاجيو جالفانى مندوب البابا في الحملة
 وهذا ما يؤكد لاهوتية الحملة، إضافة إلى  سيطرة الكاردينال بلاجيو عليها وليس القواد العسكريين المتمرسين، وكان ذلك من الأسباب الرئيسية لهزيمة الحملة و فشلها فشل ذريع.
المشرق الإسلامي قبل الحملة الصليبية الخامسة
لقد أنقذ الله- عز وجل - أمة الإسلام بصلاح الدين الأيوبي في مرحلة حاسمة من مراحل حياتها، حيث تصدى صلاح الدين لنيل شرف مهمة استعادة بيت المقدس، وقاد حملة جهادية ضد الوجود الصليبي بالشام طيلة عشرين سنة، استطاع خلالها أن يستعيد بيت المقدس سنة 583 هـ، ويتصدى لثلاثة حملات صليبية متتالية، ثم مات رحمه الله في 27 صفر سنة 589هـ. وبموته تفرقت البلاد بالشام ومصر بين أبنائه ، بعدما كانت مجتمعة كلها تحت قيادته، وهذا التفرق، والتشرذم دائمًا قرين الخذلان والفشل وأول مقدمات التسلط والاستعداء، وبالفعل  دب الخلاف بين أبناء صلاح الدين خاصة؛ بين العزيز عثمان [صاحب مصر]، والأفضل علي [صاحب دمشق].
صورة صلاح الدين معلقة على ضريحه بدمشق
 ـ تعدى هذا الخلاف إلى طور الحرب والقتال مما استدعى تدخل الملك محمد أبي بكر الأيوبي الملقب بالعادل، أخي صلاح الدين، ورفيقة على درب الجهاد المقدس من البداية، وكان من أكثر الناس حزمًا وسياسة وعدلاً، فاستطاع أن يقضي على هذا الخلاف، وأن يتخذ الخطوة الصحيحة في هذا الظرف الراهن، فأعاد توحيد الجبهة الشامية والمصرية تحت إمرته وعادت للبلاد وحدتها وقتها. (في ذلك درس وعبرة وعظة لمنْ يرغب في البحث عن أسباب النجاح، وتجني عوامل الفشل مهما كانت قوة البلاد، وتقدمها طالما كانت متفرقة ومختلفة فإن الهزيمة والفشل هو طريقها ولو بعد حين)
رسم إفرنجي للملك العادل نور الدين زنكي
 ـ ورغم حكمة الملك العادل الأيوبي ورؤيته لما جرى للبلاد عندما تقسمت بين أبناء صلاح الدين، وحجم الخلاف الذي وقع بينهم إلا أنه لم يستفد من هذا الدرس المجاني من أبناء أخيه، وأقدم على نفس الخطأ فقسم البلاد بين أبنائه الثلاثة كالآتي:
 ـ الأمير محمد الملقب بالكامل: على الديار المصرية وفلسطين.
 ـ الأمير عيسى الملقب بالمعظم: على دمشق وباقي الشام.
 ـ الأمير موسى الملقب بالأشرف: على منطقة الجزيرة 'بين الشام والعراق'.
 ونظرا لاستمرار الحملات الصليبية على الشام ومصر لم يظهر بين هؤلاء الثلاثة خلافات بسبب تصديهم للحملات الصليبية واشتغالهم بقتال الأعداء عن الخلافات المتوقعة.
الإعداد للحملة الصليبية الخامسة
 البابا انوسينت الثالث دشن الحمله الصليبيه الخامسة
لم يكف أبدًا الباباوات في روما عن إثارة عزائم وحفائظ ملوك وأمراء أوروبا من أجل استئناف سلسلة الحملات الصليبية، التي هدأت قليلاً بعد وفاة صلاح الدين والفشل المدوي للحملة الصليبية الرابعة، التي بدلاً من أن تتجه لقتال المسلمين بالشام، اتجهت إلى قتال النصارى الأرثوذكس بالقسطنطينية وذلك سنة 600هـ، واستغل البابا 'أنوسنت' الثالث فرصة موت الملك المجاهد العادل الأيوبي وحشد جيشًا كبيرًا يقوده الفارس 'جان دي بريين' وكان مرشح البابوية ليكون ملكًا على بيت المقدس إذا استعادها من المسلمين.
الحملة الصليبية الخامسة
 ـ قررت هذه الحملة التوجه إلى دمياط لاحتلال مصر، التي تمثل مركز الثقل في المنطقة، وكان أمير مصر وقتها هو محمد الكامل الذي تصدى للحملة بمنتهى الشجاعة، وطلب المساعدة من أخويه بالشام والجزيرة، بفضل الله- عز وجل -وحده ثم بطولات الشعب المصري استطاع المسلمون هزيمة تلك الحملة الخامسة، التي ارتكب قائدها خطأ تعبويًا عسكريًا أدى لوقوعه في منطقة فيضان النيل، وغرق معظم أفراد الحملة الجائرة.
الملك الكامل محمد انتصر على الحمله الصليبيه الخامسه
فقد عاود البابا إنوسنت الثالث الدعوة إلى حملة صليبية جديدة لتدارك ما فات، وفي الوقت نفسه طلب "حنا (جون) دي بريان" ملك مملكة بيت المقدس في عكا من البابا إرسال حملة على مصر، وفي مجمع اللاتران الكنسي، الذي عقد في روما سنة (612هـ = 1215م) حرص البابا على ضرورة إيفاد الحملة لتوفير الحماية الصليبية للإمارات الصليبية في الشام، وقبل أن تبدأ عجلة الحملة الصليبية في التحرك تُوفِّي البابا إنوسنت الثالث سنة (613هـ = 1216م)، وخلفه هونور يوس الثالث الذي باشر إعداد الحملة.
 البابا هونوريوس التالت خلف انوسينت الثالث فى 1216.
بدأت قوات الحملة في التوافد على عكا، واستمر ذلك أربع سنوات إلا شهرا، حتى إذا اكتملت صفوفها وعتادها اتجهت صوب مصر، وكانت خطة حنا (جون) دي بريان تستهدف دخول مصر عن طريق الإسكندرية أو دمياط، ولقيت الخطة قبولا من جمهرة الصليبيين في الشام.
أسباب اتجاه الحملة الصليبية إلى مصر:
·      مصر مركزا القوه في المنطقة:
بعد انتصار صلاح الدين الأيوبى على الصليبيين فى معركة حطين و استرداده للقدس و بعد أحداث الحملة الصليبية الثالثة التي نجحت في استرداد عكا و المحافظة على الوجود الصليبي على ساحل الشام، لكنها فشلت في استرجاع بيت المقدس أدرك الصليبيين أن مصر هي مركز القوه في المنطقة، ولا استقرار لهم في بيت المقدس بدون القضاء على تلك القوة.
ريتشارد قلب الاسد
·      نصيحة ريتشارد قلب الأسد:
نصح ريتشارد قلب الأسد الصليبيين بضرورة مهاجمة مصر كهدف اساسى قبل محاولة الاستيلاء على بيت المقدس و قال: " رأس التعبان هي مصر و سكة بيت المقدس بتبتدئ من القاهرة ".
·      الاستيلاء على مصر يمنح الصليبيين ميزات متعددة منها:
- تفتح لهم الطريق لأخذ بيت المقدس.
- حرمان الشام من أغنى منطقة في الشرق الأوسط و بالتالي حرمانها من مدد مصر الاقتصادي و العسكري
- لن يكون للمسلمين القدرة على امتلاك أسطول بحري في شرق البحر المتوسط، ومن ثمة لن تتمكن الشام من مواجهة هجوم صليبي ضخم قادم من عكا ومن مصر في وقت واحد.
التوجه إلى دمياط
خرجت الحملة الصليبية من عكا تحت قيادة حنا (جون) دي بريان في (ربيع الأول 615هـ = مايو 1218م)، واتجهت إلى دمياط، ونزلت على الضفة الغربية للنيل المواجهة لدمياط، وأقامت معسكرها على الشاطئ؛ انتظارا للهجوم ومواصلة السير عبر فرع دمياط إلى داخل البلاد.
 صكوك الغفران كانت عبارة عن أختام ممضاة من البابا أو من ممثّلي المجمع الكنسي
كانت مدينة دمياط محصنة تحصينا قويا، تحميها سلسلة عظيمة تمتد عبر النيل إلى برج السلسلة الموجود وسط مجرى النهر عند مصبه  وتحول دون دخول السفن المعادية من البحر إلى داخل مجرى النهر، لحماية دمياط، ودفع أي عدوان يقع عليها.
خرج الملك الكامل أكبر أبناء السلطان العادل وخليفته للدفاع عن دمياط، ونصب معسكره جنوبي دمياط، وقد عُرف هذا المكان منذ ذلك الوقت بمنزلة العادلية؛ حتى يكون على اتصال بالمدينة، ويمنع الصليبيين من العبور إلى الضفة الأخرى.
            هاجم الصليبيين برج السلسله من برج بنوه على مركبين
قضى الصليبيون ثلاثة أشهر كاملة يهاجمون برج السلسلة حتى تمكنوا في نهاية الأمر من الاستيلاء عليه في (جمادى الآخرة 615هـ = أغسطس 1218م)، وقطع السلسلة التي تعترض مجرى النهر، وكان ذلك نذير خطر للقوات المصرية.
وفي أثناء هذه الأحداث تُوفِّيَ السلطان العادل، ويُقال إنه لم يحتمل سماع تلك الأخبار السيئة فمرض مرض الموت، ثم لم يلبث أن تُوفِّيَ في (جمادى الآخرة 615هـ = أغسطس 1218م).
الدفاع عن دمياط
أدرك السلطان الكامل- الذي خلف أباه- خطورة الموقف، فتحرك سريعا لإعاقة حركة عدوه حتى لا يتوغل في البلاد، فأقام جسرا ضخما بعرض النهر، لكن الصليبيين تمكنوا من قطعه، فأسرع الكامل إلى إغراق سفن كبيرة في مجرى النيل لتعوق حركة السفن الصليبية، لكن ذلك لم يَحُلْ دون تقدم الصليبيين بعد أن حفروا خليجا هناك كان النيل قديما يجري فيه، وانتهى الأمر بدخول السفن الصليبية النهر حتى موقع مقابل لمنزلة العادلية حيث معسكر السلطان الكامل.
 الصليبيين بيهاجموا برج السلسله - دمياط سنة 1218
ولم يكن أمام أبناء السلطان العادل سوى التعاون التام والعمل معا في مواجهة هذا الخطر الداهم الذي حلَّ بهم، فكان على الكامل طرد الصليبيين من مصر، وأن يقوم السلطان المعظم عيسى- الذي خلف أباه في دمشق- بحراسة جبهة الشام والضغط على الصليبيين لإجبارهم على ترك مصر، وأن يهبَّ ملوك الشام من بني أيوب لنجدة السلطان الكامل في مصر، وتقديم يد العون والمساعدة له.
سقوط دمياط
 حاول السلطان الكامل القيام بهجوم مفاجئ على المعسكر الصليبي فعبر نهر النيل وانقض عليهم، لكنهم صمدوا في وجهه وأجبروه على التراجع، وفي الوقت الذي كان فيه الكامل أحوج ما يكون إلى التماسك وتوحيد الهدف إذا به يتعرض لمؤامرة فاشلة من أحد قادته لعزله وإحلال أخيه مكانه في حكم مصر.
 البابا هونوريوس الثالث
 ألقت هذه المؤامرة فقدان الثقة في قلبه، فغادر معسكره ليلا وجنوده في إثره، فلمَّا أشرق الصباح وجد الصليبيون معسكر المسلمين خاويا من الجند، فعبروا إلى الضفة الشرقية وهم لا يصدقون ما حدث، وغنموا ما وجدوه من سلاح ومؤونة.
انسحاب الكامل المفاجىء من العادليه كان سببه اكتشاف مؤامرة بأن واحد من الامراء الأكراد و هو عماد الدين أحمد بن المشطوب الذي كات يدبر  لقتل السلطان الكامل، لتنصيب الملك الفائز إبراهيم أخو الكامل مكانه. اكتشاف المؤامرة أصاب الكامل بالذعر حيث انه لم يكن يعرف حجمها، و عدد الأمراء المشاركين فيها،  ويٌُقال انه فكر فى الهروب لليمن عند حاكمها ابنه الملك المسعود صلاح الدين يوسف. لكن لحسن حظ الكامل فى الغضون ذلك وصل الملك المعظم من الشام و قابل الملك الكامل فى اشمون فى 7 فبراير 1219، فكان وصوله على رأس جيش كبير سبب لتخلى المتآمرين عن خطتهم ضد الكامل.
استيلاء الصليبيين على العادلية
قبض الملك المعظم على ابن المشطوب و نفاه إلى الشام، و ارسل الملك الفائز إلى سنجار ليُحضر المدد، لكن قيل أن سبب ارسال الملك الفائز حتى يتم إخراجه من مصر، إلا أنه مات في الطريق، وقيل أنه مات مسموما.
بذلك  أفلت الكامل من المؤامرة لكن ذلك  كان على حساب أن الصليبيين أصبحوا على مسافة صغيره من دمياط. وأدى ذلك إضافة إلى وجود عوائق مائية حول دمياط مما صعب على الكامل مهاجمة الصليبيين وفشل فى هجوم شنه على معسكراتهم فى العادليه و على بر النيل الغربي.
بورتريه لشورع دمياط اثناء الحملات الصليبية
ازداد موقف المسلمين سوءا، وكاد يحل اليأس في قلب الكامل وتضعف عزيمته لولا أن تداركه أخوه المعظم الذي وصل بقواته، فأعاد الثقة في نفس أخيه، وبدأ في تنظيم الجيش الإسلامي الذي رابط عند فارسكور، وتمكنت دمياط من الصمود تسعة أشهر، لكنها لم تقوَ على الاستمرار بعد أن شدد الصليبيون هجماتهم عليها، فسقطت دمياط في أيديهم في (27 من شعبان 616هـ = 5 من نوفمبر 1219م).
العرض السخي
وفي أثناء حصار الصليبيين لدمياط قبل سقوطها كان السلطان الكامل قد يئس من إمكانية صمود المدينة بعد علمه بوصول نجدات قوية للصليبيين من قبرص وغرب أوروبا، فأرسل إلى الصليبيين بعرض سخي يقترح فيه أن يجلوا عن مصر مقابل أن يمتلكوا مدينة بيت المقدس ووسط فلسطين والجليل، أي يعيد لهم مملكة بيت المقدس، على ما كانت عليه قبل معركة حطين التي خاضها جده صلاح الدين سنة (583هـ = 1187م).
 الملك المعظم من جهته قرر تخريب القدس و أسوارها حتى إذا  اضطر هو والكامل إلى  مبادلتها بدمياط يستلمها الصليبيين متخربه فيكون استردادها سهل عليهما، أما سكان القدس لما رأوا جيش المعظم يُدمر الأسوار و الحصون ظنوا أنه  جيش صليبي فأصابهم الذعر و هربت منهم أعداد كبيرة من المدينة. بينما فكر آخرون  فى تدمير كنيسة القيامة لكن السلطان المعظم منعهم. بعد تخريب القدس تم تخربت قلاع و تحصينات فى الجليل و تورون و صافيد و بانياس أيضا.


حوجه الملك المعظم و الملك الكامل نداء للعالم الاسلامى يطلبان إمدادات و مساعدات حيث إنهم كانوا في مواجهة كل أوروبا االمتحدة ضدهم. الخليفة العباسي فى بغداد وعد بأنه بارسال جيش كبير لكنه لم يف بوعده، ولم  يقدم مساعده للكامل غير أخواته و أقربائه و بالذات الملك المعظم. بذلك تكرر ما حدث مع صلاح الدين الأيوبي وقت الحملة الصليبية الثالثة  حين وجه نداءات و بعت خطابات لحكام المسلمين فى المنطقة و لم يحصل  منهم إلا على كلام و جعجاعات فارغة.
كان العرض الذي تقدم به السلطان الكامل غاية في الكرم والسخاء والتخاذل المهين، فقبله الملك حنا (جون) دي بريان وأمراء مملكته في حين رفضه الكاردينال بلاجيوس الذي أرسله البابا لتزعم الحملة الصليبية كلها، وتابعه فرسان المنظمات الرهبانية العسكرية .
 الحملة الصليبية الخامسة
الزحف إلى القاهرة

كانت الظروف قد تهيأت لصالح الصليبيين عقب سقوط دمياط، لكن الأهواء والنزاع حول الزعامة عصفا بوحدة الحملة وتماسكها، فعاد الملك حنا (جون) دي بريان بقواته إلى عكا في (المحرم 617هـ = مارس 1220م)، تاركا الأمر لبلاجيوس الذي ركن إلى الراحة والهدوء في دمياط، وظل نحو عام ونصف العام دون تحرك أو عمل جاد، فلما قرر الزحف بعث إلى حنا (جون) دي بريان يسأله العودة لمساعدة الصليبيين؛ فلبَّى على الفور حتى لا يُتهم بالتخاذل والتفريط في مصر، وهو صاحب الاقتراح بغزوها، ولما اكتملت القوات الصليبية شرعت في الزحف جنوبا بمحاذاة نهر النيل في (جمادى الآخرة 618هـ = يوليو 1221م).
 الصليبيون يزحفون نحو القاهرة
لم يضيع أبناء السلطان العادل وقتهم وبذلوا ما في وسعهم من طاقة لإنقاذ البلاد، فأقام الكامل قبالة طلخا منزلة على الضفة الشرقية أطلق عليها اسم "المنصورة"، واستعدوا للمعركة الحاسمة، وكان السلطان الكامل لا يفتأ يكرر عرضه السخي على الصليبيين في مقابل جلائهم، لكنهم في كل مرة كانوا يكررون رفضهم.
واصل الصليبيون زحفهم وسط مثلث من الأرض تحيط به المياه من ثلاث جهات، كما هو مبين في الخريطة: بحيرة المنزلة شرقا، وفرع دمياط غربا، وبحر أشموم طناح جنوبا؛ فلما وصل الصليبيون إلى نقطة تفرع بحر أشموم طناح البحر الصغير من فرع دمياط قطع المسلمون السدود، وكان النيل مليئا بماء الفيضان فأغرق الأرض من تحت أقدامهم، وعاق الوحل حركة سيرهم.
 خط سير الصليبيين حتى الهزيمة
وفي الوقت نفسه أبحر عدد من السفن الأيوبية في بحر المحلة- كان يخرج وقتذاك من النيل قرب بنها الحالية ويلتقي به جنوبي فارسكور- فحالت هذه السفن بين الصليبيين والنجدات التي تصل إليهم من دمياط، وقطعت خط الرجعة على السفن الصليبية.
فشل الحملة والجلاء عن دمياط
انحصر الصليبيون وتبددت آمالهم في الزحف جنوبا نحو القاهرة، ولم يبق لهم سبيل سوى أن يشقوا لأنفسهم طريقا نحو قاعدتهم في دمياط، فحاولوا في استماتة، لكن الماء وعسكر المسلمين حالاً دون تحقيق آخر أمل لهم في النجاة من المصير المحتوم، فأدركهم اليأس، ولم يبق أمامهم سوى طلب الصلح والجلاء عن دمياط دون قيد أو شرط، وهم الذين رفضوا من أشهر قليلة عروض السلطان الكامل المتكررة.
 القتال أثناء الحملة الصليبية الخامسة
كان موقف الصليبيين حرجا وبالغ السوء، ولو صبر عليهم الكامل دون أن يجيب عليهم لأخذ برقابهم جميعا ولَمَا نجا منهم أحد؛ ولذلك عارض المعظم عيسى والأشرف موسى أخوا السلطان الكامل إجابته للصليبيين إلى الصلح، ورغبا في تركهم بمأزقهم؛ حتى تنفد أقواتهم، وتنتشر بهم المجاعة، ويأكل بعضهم بعضا، لكن الكامل مال إلى الصلح، وكان معروفا بسماحته، واتفق الطرفان على هدنة مدتها ثمانية أعوام، وتم جلاء الصليبيين عن دمياط في (19 من رجب 618هـ = 8 من سبتمبر 1221م) ودخلتها القوات المصرية عصر ذلك اليوم.