السبت، 29 سبتمبر 2012

(38) موت الضمير لإصرارهم على المعاصي والمسارعة إلى الإثم والمعصية: أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. الفصل السادس: بني صهيون



الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
(38) موت الضمير لإصرارهم على المعاصي والمسارعة إلى الإثم والمعصية:

لقد حفلت آيات القرآن الكريم بذكر الكثير من صفات اليهود السيئة وأعمالهم القبيحة على مر الأيام والعصور، ومن بين الصفات التي تحلى بها اليهود ووثقها القرآن الكريم حتى لا يكون ثمة مجال للإنكار موت الضمير عند بني يهود وذلك  لإصرارهم على المعاصي والمسارعة إلى الإثم والمعصية، فقد قال تعالى:
- في سورة المائدة حيث قال تعالى : {وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (1) المائدة : 62
قال الإمام الرازي:
المسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة. قيل: الإثم الكذب، والعدوان الظلم. وقيل: الإثم ما يختص بهم، والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم، وأما أكل السحت فهو أخذ الرشوة، وقد تقدم الاستقصاء في تفسير السحت، وفي الآية فوائد:
الفائدة الأولى: أنه تعالى قال: { وَتَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ } والسبب أن كلهم ما كان يفعل ذلك، بل كان بعضهم يستحيي فيترك.
الفائدة الثانية: أن لفظ المسارعة إنما يستعمل في أكثر الأمر في الخير.
قال تعالى{يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ })آل عمران: 114(وقال تعالى{ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرٰتِ })المؤمنون: 54) فكان اللائق بهذا الموضع لفظ العجلة، إلا أنه تعالى ذكر لفظ المسارعة لفائدة، وهي أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات كأنهم محقون فيه.
الفائدة الثالثة: لفظ الإثم يتناول جميع المعاصي والمنهيات، فلما ذكر الله تعالى بعده العدوان وأكل السحت دلّ هذا على أن هذين النوعين أعظم أنواع المعصية والإثم (2) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي 
قال الإمام الطبري:
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وترى يا مـحمد كثـيراً من هؤلاء الـيهود الذين قصصت علـيك نبأهم من بنـي إسرائيـل { يُسَارِعُونَ فِـي الإثْمِ والعُدْوَانِ } يقول: يعجلون بـمواقعة الإثم. وقـيـل: إن الإثم فـي هذا الـموضع معنىّ به الكفر.
حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ فـي قوله: { وَتَرَى كَثِـيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِـي الإثْمِ وَالعُدوَانِ } قال: الإثم: الكفر.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَتَرى كَثِـيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِـي الإثْمِ وَالعُدْوَانِ } وكان هذا فـي أحُكَّام الـيهود بـين أيديكم.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { يُسارِعُونَ فِـي الإثْمِ والعُدْوَانِ } قال: هؤلاء الـيهود  (3) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
قال الإمام الزمخشري:
الإثم الكذب بدليل قوله تعالى: { عَن قَوْلِهِمُ ٱلإثْمَ }. { والعدوان } الظلم. وقيل: الإثم كلمة الشرك. وقولهم عزير ابن الله. وقيل: الإثم ما يختص بهم. والعدوان: ما يتعداهم إلى غيرهم. والمسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة { ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } كأنهم جعلوا آثم من مرتكبي المناكير لأن كل عامل لا يسمى صانعاً، ولا كل عمل يسمى صناعة حتى يتمكن فيه ويتدرّب وينسب إليه، وكأن المعنى في ذلك أن مواقع المعصية معه الشهوة التي تدعوه إليها وتحمله على ارتكابها، وأما الذي ينهاه فلا شهوة معه في فعل غيره، فإذا فرط في الإنكار كان أشدّ حالاً من المواقع. ولعمري إن هذه الآية مما يقد السامع وينعي على العلماء توانيهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي أشدّ آية في القرآن. وعن الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها. (4) تفسير الكشاف/ الزمخشري
- في سورة المائدة أيضا قال تعالى:{ لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } * { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } (5) سورة المائدة.78 - 79
 قال الإمام الرازي:
{لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودُ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ}
قال أكثر المفسرين: يعني أصحاب السبت، وأصحاب المائدة. أما أصحاب السبت فهو أن قوم داود، وهم أهل «آيلة» لما اعتدوا في السبت بأخذ الحيتان على ما ذكر الله تعالى هذه القصة في سورة الأعراف قال داود: اللّهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة، وأما أصحاب المائدة فإنهم لما أكلوا من المائدة ولم يؤمنوا قال عيسى: اللّهم العنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي. قال بعض العلماء: إن اليهود كانوا يفتخرون بأنا من أولاد الأنبياء، فذكر الله تعالى هذه الآية لتدل على أنهم ملعونون على ألسنة الأنبياء. وقيل: أن داود وعيسى عليهما السلام بشرا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولعنا من يكذبه وهو قول الأصم.

ثم قال تعالى: { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } والمعنى أن ذلك اللعن كان بسبب أنهم يعصون ويبالغون في ذلك العصيان.
ثم أنه تعالى فسّر المعصية والاعتداء بقوله {كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } وللتناهي ههنا معنيان:
 أحدهما: وهو الذي عليه الجمهور أنه تفاعل من النهي، أي كانوا لا ينهى بعضهم بعضاً، روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من رضي عمل قوم فهو منهم ومن كثر سواد قوم فهو منهم ". والمعنى الثاني في التناهي: أنه بمعنى الانتهاء. يقال: انتهى عن الأمر، وتناهى عنه إذا كف عنه.
ثم قال تعالى: { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } اللام في { لَبِئْسَ } لام القسم، كأنه قال: أقسم لبئس ما كانوا يفعلون، وهو ارتكاب المعاصي والعدوان، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (6) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
 قال الإمام القرطبي:
قوله تعالى: { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } فيه مسألة واحدة: وهي جواز لعن الكافرين وإن كانوا من أولاد الأنبياء، وأن شرف النسب لا يمنع إطلاق اللعنة في حقهم
ومعنى { عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } أي لعنوا في الزبور والإنجيل؛ فإن الزبور لسان داود، والإنجيل لسان عيسى أي لعنهم الله في الكتابين. وقد تقدّم اشتقاقها.
 قال مجاهد وقَتَادة وغيرهما. لعنهم مسخهم قردة وخنازير. قال أبو مالك: الذين لعنوا على لسان داود مُسِخوا قردة، والذين لعنوا على لسان عيسى مُسِخوا خنازير. وقال ابن عباس: الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت، والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة بعد نزولها.
وروى نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: لُعِن الأسلافُ والأخلافُ ممن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم على لسان داود وعيسى؛ لأنهما أَعلما أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم نبي مبعوث فَلَعَنَا من يكفر به.
 قوله تعالى: { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ }. فيه مسألتان:
الأُولى ـ قوله تعالى: { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ } أي لا ينهى بعضهم بعضاً: { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } ذمٌّ لتركهم النهي، وكذا من بعدهم يذمّ من فعل فعلهم. خرّج أبو داود عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «إن أوّل ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل أول ما يلقى الرجل فيقول يا هذا اتّقِ الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكِيلَه وشرِيبه وقعِيدَه فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } إلى قوله «فَاسِقُونَ» ثم قال: «كلاّ والله لتأمرُنّ بالمعروف ولَتَنْهُونّ عن المنكر ولتأخذُنّ على يدي الظالم ولتأطُرنّه على الحق ولتقصرنه على الحق قصراً أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعنَنّكم كما لعنهم» " وخرجه الترمذيّ أيضاً. ومعنى لتأطُرنه لتردنه
 الثانية ـ قال ابن عطية: والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه وأَمِن الضرر على نفسه وعلى المسلمين؛ فإن خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه. وقال حذّاق أهل العلم: وليس من شرط الناهي أن يكون سليماً عن معصية بل ينهى العصاة بعضهم بعضاً. وقال بعض الأُصوليين: فرض على الذين يتعاطون الكئوس أن ينهى بعضهم بعضاً واستدلوا بهذه الآية؛ قالوا: لأن قوله: { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي. وفي الآية دليل على النهي عن مجالسة المجرمين وأمر بتركهم وهجرانهم. وأكّد ذلك بقوله في الإنكار على اليهود{ تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } «وما» من قوله: «ما كانوا» يجوز أن تكون في موضع نصب وما بعدها نعت لها؛ التقدير لبئس شيئاً كانوا يفعلونه. أو تكون في موضع رفع وهي بمعنى الذي. (7) تفسير الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي
 قال الإمام ابن كثير:
يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل فيما أنزله على داود نبيه عليه السلام، وعلى لسان عيسى بن مريم؛ بسبب عصيانهم لله، واعتدائهم على خلقه.
قال العوفي، عن ابن عباس: لعنوا في التوراة والإنجيل وفي الزبور وفي الفرقان، ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم، فقال تعالى: {كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } أي: كان لا ينهى أحد منهم أحداً عن ارتكاب المآثم والمحارم، ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يرتكب مثل الذي ارتكبوه، فقال: { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يزيد، حدثنا شريك بن عبد الله عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي، نهتهم علماؤهم، فلم ينتهوا: فجالسوهم في مجالسهم " قال يزيد: وأحسبه قال: " وأسواقهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُون  }وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً، فجلس فقال: " لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً"
 وقال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا يونس بن راشد عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله، ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك، ضرب الله قلوب بعضهم ببعض - ثم قال -: { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } إلى قوله: { فَـٰسِقُونَ } - ثم قال -: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو تقصرنه على الحق قصراً " ، وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من طريق علي بن بذيمة به، وقال الترمذي: حسن غريب، ثم رواه هو وابن ماجه عن بندار، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة مرسلاً. (8) تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وانه لا نبي بعدي. (9) رواه البخاري.