الأحد، 26 أغسطس 2012

(11) كثرة الجدال و السؤال والتنطع في الدين: أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. الفصل السادس: بني صهيون



الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
(11) كثرة الجدال و السؤال والتنطع في الدين
البقرة الصفراء التي أمروا بذبحها

مخطط افتراضي للهيكل بريشة كريستيان فان أدريشم 1584.
 الهيكل قديما
الهيكل الذي يسعى اليهود لإنشائه على أنقاض المسجد الأقصى
 فمن صفاتهم القبيحة أنهم متعنتون, يكثرون الأسئلة والاستفسارات، الجدل والمماراة والمخاصمة، وعدم قبول الحق ابتداء، إلا بعد من الإلحاح والمحاججة والتشكيك، حتى ولو كان ذلك مع الله تعالى ومع أنبيائه ورسله، وهم بذلك يضيقون على أنفسهم. . ومن أمثلة لذلك ما ذكره الله - تبارك وتعالى - في محكم التنزيل في:
·   قصة أمرهم بذبح البقرة، وقد وردت هذه القصة في سورة البقرة، في قوله تعالى { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ }{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ}{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ }{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } (1) البقرة: 67 -71
 موسى (ع) أحد أنبياء الله الكرام و الذي أرسل الله إلى بني إسرائيل.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين، عن عبيدة لسلماني، قال: كان رجل من بني إسرائيل عقيماً لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله، ثم احتمله ليلاً، فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض. فقال ذوي الرأي منهم والنهي: علام يقتل بعضكم بعضاً، وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى عليه السلام، فذكروا ذلك له، فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } قال: فلو لم يعترضوا، لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شددوا، فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها، فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها، فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهباً، فأخذوها بملء جلدها ذهباً، فذبحوها، فضربوه ببعضها، فقام: فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا - لابن أخيه - ثم مال ميتاً، فلم يعط من ماله شيئاً، فلم يورث قاتل بعد. (2) تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
روي عن ابن عباس وسائر المفسرين: أن رجلاً من بني إسرائيل قتل قريباً لكي يرثه ثم رماه في مجمع الطريق ثم شكا ذلك إلى موسى عليه السلام فاجتهد موسى في تعرف القاتل، فلما لم يظهر قالوا له: سل لنا ربك حتى يبينه، فسأله فأوحى الله إليه: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } فتعجبوا من ذلك ثم شددوا على أنفسهم بالاستفهام حالاً بعد حال واستقصوا في طلب الوصف فلما تعينت لم يجدوها بذلك النعت إلا عند إنسان معين ولم يبعها إلا بأضعاف ثمنها، فاشتروها وذبحوها وأمرهم موسى أن يأخذوا عضواً منها فيضربوا به القتيل، ففعلوا فصار المقتول حياً وسمي لهم قاتله وهو الذي ابتدأ بالشكاية فقتلوه قوداً. (3)تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
فقد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن يأمر قومه بذبح بقرة لما اختلفوا فيمن قتل القتيل  ليضربوه ببعض أعضائها، لكنهم لم يستجيبوا بل قالوا له: أتتخذنا هزوا ؟! وهذا يدل على سفههم، وسوء ظنهم بربهم عز وجل  وبرسولهم الكريم
ثم ظلوا يسألون نبيهم ويكررون السؤال، ويضيقون على أنفسهم ويتعنتون، فضيق الله عليهم، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة لكفتهم، كما قال ابن عباس وعبيدة ومجاهد غيرهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم، وظلوا يسألون عنها وعن أوصافها ولونها، حتى قالوا بعد كثرة سؤال) الآن جئت بالحق ! ) وهذا من جهلهم وكفرهم، فقد أتاهم بالحق من أول ما أمرهم بالأمر
 
قال تعالى ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) أي: كادوا يفعلوا ما أمروا به، وفي هذا ذم لهم وتوبيخ على تباطئهم عن امتثال الأمر من أول مرة.
 موسى يعظ بني إسرائيل..
معنى الكلام:أنهم لو كانوا إذ أمروا بذبح البقرة ذبحوا أيتها تـيسرت مـما يقع علـيه اسم بقرة كانت عنهم مـجزئة، ولـم يكن علـيهم غيرها، لأنهم لـم يكونوا كلفوها بصفة دون صفة، فلـما سألوا بـيانها بأيّ صفة هي، فبـين لهم أنها بسنّ من الأسنان دون سنّ سائر الأسنان، فقـيـل لهم: هي عوان بـين الفـارض والبكر الضرع. فكانوا إذا بـينت لهم سنها لو ذبحوا أدنى بقرة بـالسنّ التـي بـينت لهم كانت عنهم مـجزئة، لأنهم لـم يكونوا كلفوها بغير السنّ التـي حدّت لهم، ولا كانوا حصروا علـى لون منها دون لون. فلـما أبوا إلا أن تكون معرّفة لهم بنعوتها مبـينة بحدودها التـي تفرّق بـينها وبـين سائر بهائم الأرض فشدّدوا علـى أنفسهم شدّد الله علـيهم بكثرة سؤالهم نبـيهم واختلافهم علـيه ولذلك قال نبـينا صلى الله عليه وسلم لأمته: " ذَرُونِـي ما تَرَكْتُكُمْ فإنما أُهْلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ علـى أنْبـيائِهِمْ، فإذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأتُوهُ، وإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَـانْتَهُوا عَنْهُ مَا اسْتَطَعْتُـمْ " (4)تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
·   جدالهم في قضية النسخ: لقد طعن اليهود في الإسلام، فقالوا: ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً وغداً يرجع عنه، فنزلت هذه الآية، { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (5) البقرة:106

لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة  استقبل بيت المقدس تأليفا لقلوب اليهود، لأن بيت المقدس قبلتهم،   وفرحوا بذلك، ولكنهم لما عموا وصموا وعاندوا وأبوا الدخول في الإسلام، وزعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اتبع قبلتهم،   وعما قريب سيتبع ملتهم ؟!  فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم وابتهل إلى الله أن يحول قبلته إلى قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، فاستجاب الله لنبيه فولاه القبلة التي يرضاها، وهي البيت الحرام،   ففرح النبي صلى الله عليه وسلم  والمؤمنون بذلك.
              النبي موسى (ع) يحمل لوحي الشريعة..
أما اليهود ومن كان على شاكلتهم ممن في قلبه مرض، فقد استقبلوا ذلك بالاستهزاء والجحود، وإثارة الشبه والتشكيك للمسلمين، فقالوا: إن كانت القبلة الأولى هي الحق، فقد تركتم الحق أيها المسلمون ؟!
وإن كانت القبلة السابقة باطلة ، فقد كانت عبادتكم باطلة ؟!
فقال سبحانه رادا عليهم {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(6) البقرة: 142
سار موسى بمن آمن من قومه من بني. إسرائيل باتجاه فلسطين هربا من بطش فرعون. 
 ثم بين الله تعالى الحكمة من تحويل القبلة ، فقال {َا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (7) البقرة: 143
ما فعلنا ذلك إلا اختبارا وامتحانا للناس، لنعلم الصادق في إتباعه من المتذبذب في إيمانه {ِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(8) الأنفال: 37
عندما تأخر موسى مدة أربعين يومًا على الجبل، أخذ الشعب بعبادة عجل الذهب؛ لوحة لنيكولا بوسان، 1633.
ثم قال تعالى {َلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}أي : لكل أهل ملة قبلة يتجهون إليها في عباداتهم ، فسارعوا أنتم جهدكم إلى إلى  ما اختاره الله لكم  .
 التابوت في القرآن الكريم في سورة البقرة في قصة طالوت وداود وجالوت ، الآيات ( 246 - 252 ).
·      جدالهم في أمر طالوت قال تعالى:
{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } (9)البقرة:247 - 248
 التابوت.معركة جالوت.
أي: لما طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكاً منهم، فعين لهم طالوت، وكان رجلاً من أجنادهم، ولم يكن من بيت الملك فيهم، لأن الملك كان في سبط يهوذا، ولم يكن هذا من ذلك السبط، فلهذا قالوا: { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا }، أي: كيف يكون ملكاً علينا { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ } أي: هو مع هذا فقير لا مال له يقوم بالملك، وقد ذكر بعضهم أنه كان سقاء، وقيل: دباغاً، وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنت، وكان الأولى بهم طاعة وقول معروف، ثم قد أجابهم النبي قائلاً: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰهُ عَلَيْكُمْ } أي اختاره لكم من بينكم، والله أعلم به منكم، يقول: لست أنا الذي عينته من تلقاء نفسي، بل الله أمرني به لما طلبتم مني ذلك، { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ }
 داود و شاؤل (طالوت).
 أي: وهو مع هذا، أعلم منكم، وأنبل، وأشكل منكم، وأشد قوة وصبراً في الحرب ومعرفة بها، أي أتم علماً وقامة منكم، ومن ههنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة في بدنه ونفسه؛ ثم قال: { وَٱللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } أي: هو الحاكم الذي ما شاء فعل، ولا يُسئل عما يفعل، وهم يسئلون؛ لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه، ولهذا قال: { وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ } أي: هو واسع الفضل، يختص برحمته من يشاء، عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحقه.
 داود يواجه جليات ( جالوت )
ورغم ذلك استمر جدالهم فأجابهم الحق تبارك وتعالى على لسان نبيهم: { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} (10) البقرة:248
 داود يقتل جالوت كما تخيلها الرسامون المسيحيون.
قال لهم نبيهم: إن علامة بركة ملك طالوت عليكم، أن يرد الله عليكم التابوت الذي كان أخذ منكم { فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } قيل: معناه: وقار وجلالة. قال عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة: { فِيهِ سَكِينَةٌ } أي: وقار: وقال الربيع: رحمة، وكذا روي عن العوفي، عن ابن عباس. وقال ابن جريج: سألت عطاء عن قوله: { فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ }؟ قال: ما تعرفون من آيات الله فتسكنون إليه، وكذا قال الحسن البصري. وقيل: السكينة: طست من ذهب، كانت تغسل فيه قلوب الأنبياء، أعطاها الله موسى عليه السلام، فوضع فيها الألواح (11) تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
 نجاة إسماعيل من الذبح
·   جدالهم في إبراهيم عليه السلام وملته، وهي في قوله تعالى { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } (12) آل عمران: 65
عن ابن عبـاس، قال: اجتـمعت نصارى نـجران وأحبـار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعوا عنده، فقالت الأحبـار: ما كان إبراهيـم إلا يهودياً، وقالت النصارى: ما كان إبراهيـم إلا نصرانـياً. فأنزل الله عزّ وجلّ فـيهم: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِى إِبْرٰهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإْنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }؟ قالت النصارى: كان نصرانـياً، وقالت الـيهود: كان يهودياً، فأخبرهم الله أن التوراة والإنـجيـل ما أنزلا إلا من بعده، وبعده كانت الـيهودية والنصرانـية. تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
 قبر النبي إبراهيم في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.

لقد أنكر الله تعالى عليهم محاجتهم في إبراهيم عليه السلام، وأنه كان يهوديا ؟! لأن زمنه كان قبل موسى عليه السلام وقبل أن ينزل الله التوراة ؟! وكذلك قبل أن ينزل الله الإنجيل، فلا يمكن أن يكون نصرانيا كذلك.،فهذه المحاجة ظاهرة البطلان، لأنهم يجادلون فيما ليس لهم  به علم. 
ولهذا قال تعالى رادا عليهم، ومنكرا { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ  } { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ} (13) آل عمران 66 - 68
 صورة تابوت العهد.
فأمرهم برد مالا علم لهم به إلى عالم الغيب والشهادة، وبين لهم أن أولى الناس به، هم أتباعه، ثم النبي محمد عليه الصلاة والسلام والذين آمنوا من أصحابه من المهاجرين والأنصار، عن ٱبن مسعود أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إن لكل نبيّ ولاة من النبيين وإن وليّي منهم أبي وخليل ربي ـ ثم قرأ ـ { إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين ٱتبعوه وهذا النبيّ } (14)تفسير الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي
·   جدالهم فيما حرم عليهم من الأطعمة، وإنكارهم لذلك، فقال الله تعالى { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } (15) آل عمران:93.
عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن، عرفنا أنك نبي، واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال:
{وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }القصص: 28] قال: " هاتوا " قالوا: أخبرنا عن علامة النبي، قال:" تنام عيناه ولا ينام قلبه "  
قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة، وكيف تذكر؟ قال: " يلتقي الماءان، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة، أذكرت، وإذا علا ماء المرأة، أنثت  " قالوا: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: " كان يشتكي عرق النسا، فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا وكذا ـ قال أحمد: قال بعضهم: يعني الإبل ـ فحرم لحومها " قالوا: صدقت، قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟
قال: " ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيده ـ أو في يديه ـ مخراق من نار يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله عز وجل " قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال: " صوته " قالوا: صدقت، إنما بقيت واحدة، وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها، إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟
قال: " جبريل عليه السلام " ، قالوا: جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر، لكان، فأنزل الله تعالى:
{قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} (16) تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
أي: أن إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام كان قد حرم أشياء على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، مثل لحوم الإبل وألبانها، ثم إن التوراة نزلت بتحريم أشياء على بني إسرائيل كانت  حلالا  لهم ، بسبب ظلمهم وعدوانهم، عقوبة لهم، كما قال تعالى  { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً}النساء :  160
وقال سبحانه أيضا {وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ } (17)الأنعام: 146
 
وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أنه في حالة إنكار ليهود، واستمرارهم في عنادهم، وامتعضوا مما نطق به القرآن من تحريم بعض الطيبات عليهم، أن  يأتوا بالتوراة فيقرؤها ليروا ذلك بأعينهم، وتقوم به عليهم حجة الله عز وجل.
فلهذا قال ههنا { فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(18) آل عمران: 94
وهذا من أعظم الدلائل على صدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بما أقام عليهم من الأدلة من كتابهم نفسه، وإخبارهم عما فيه.
ولذلك أتبعه بقوله{ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ } أي: فيما أخبر وحكم ، { فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}  (19) آل عمران: 95
وهذا دليل على أن اليهود لم يكونوا على ملة إبراهيم عليه السلام.
ثم قال سبحانه { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ } (20) آل عمران: 96
وهذا رد على زعمهم وجدالهم أن بيت المقدس أفضل من الكعبة المشرفة، والبيت الحرام الذي بمكة، بأنه أول مسجد وضع في الأرض، فهو أسبق بناء من بيت المقدس، وأجمع منه للديانات السماوية
 قال عيسى لليهود: أنتم تشهدون على أنفسكم أنكم قتلة الأنبياء.
·   جدالهم في نبوة عيسى عليه السلام  وجحدهم لها ، فهم لا يعترفون بنبوته ورسالته ؟! ولا يسلمون بذلك ! بل يرون أنه قد جاء عن طريق الزنا والعياذ بالله تعالى، ويتهمون أمه بذلك، كما سبق ذكره في فظائعهم وأقوالهم المنكرة على الرسل { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } * { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً  } (21) مريم: 27 - 31
 مريم والطفل يسوع بريشة بيير.
 صورة في موقع الأنبا تكلا زواج اسحق و رفقة

وأما الإسلام فيعترف لعيسى بالنبوة، وأنه من المرسلين، قال تعالى آمرا لهم بالإيمان بالجميع  {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } ( 22) البقرة: 136- 137
 
عن ابن عبـاس، قال: أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرٌ من الـيهود فـيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبـي رافع، وعازَر، وزيد وخالد، وأزار بن أبـي أزار، وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال: " أُوْمِنُ بـاللّهِ وَما أُنْزِلَ إلَـيْنا، وَما أُنْزِلَ إلـى إبْرَاهِيـمَ وإسْماعِيـلَ وإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبـاطِ، وَما أُوتِـيَ مُوسَى وَعِيسَى، وَما أُوتِـيَ النَّبِـيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ، لا نُفَرّق بـينَ أحَدٍ مِنْهُمْ ونَـحْنُ لَهُ مُسْلِـمُونَ " فلـما ذكر عيسى جحدوا نبوّته وقالوا: لا نؤمن بـمن آمن به فأنزل الله فـيهم{ قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إلاَّ أنْ آمَنَّا بـاللّهِ وَما أُنْزِلَ إلَـيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وأنَّ أكْثَرَكُمْ فـاسِقُونَ }
 (23) المائدة: 59، تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري