الفصل الثالث: اليهود والإسلام:
(أ) اليهود
والرسول ( صلى الله عليه وسلم ):
لقد اتخذ اليهود موقفاً عدائيا من الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ومن
الإسلام لذا فقد عملوا على:
- إثارة الأحقاد والضغائن ما بين قبيلتي الأوس والخزرج بعد أن أخا بينهما
الإسلام، وسكتت نار الحرب التي كانت بينهم، والتي أشعلها اليهود في الماضي، من أجل
تجارة الربا، التي كان اليهود يسلطونها على رقاب الفريقين، ومن المحاولات التي قام
بها اليهود لإزكاء نار العصبية بين الفريقين الأوس والخزرج من جديد، ما فعله
اليهودي: شاس بن قيس حينا أمر أحد شباب اليهود بالدخول في جمع الأوس والخزرج، وأن
يذكرهم بما كان بينهم من حروب حتى كادت الفتنة تقع لولا أن تداركها الرسول ( صلى
الله عليه وسلم) فخطب فيهم: الله الله، أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد أن
هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم من الكفر،
وألف بين قلوبكم.(1) الرحيق المختوم: صفي الدين ص 277، 278 بتصرف.
- ما رواه أبو داود وغيره، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:لما أصاب
الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قريشا يوم بدر، وقدم المدينة، جمع اليهود في سوق
بني قينقاع، فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً.
قالوا: يا محمد: لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش، كانوا أغماراً
لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنَّا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا،
فأنزل الحق – تبارك وتعالى – فيهم قوله:[قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ
وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ] {آل عمران:12} [قَدْ كَانَ
لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ
وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ العَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ
بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ] {آل
عمران:13} فلما قدر عليهم الرسول
( صلى الله عليه وسلم) لم يقتلهم، وإنما أمرهم بالخروج من المدينة فقط، نظراً
لخيانتهم عهدهم مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فخرجوا إلى أذر عات الشام،
ولبثوا فيها حتى هلك أكثرهم.
- استقبال سلام بن مشكم سيد يهود بني النضير لأبي سفيان بن حرب هو ورجاله
ليلا، ومساعدتهم في هجومهم ليلا على المدينة من ناحية العريض من نواحي المدينة
وقتلهم لبعض المسلمين رغم العهد الذي كان بين سيد بني النضير وبين الرسول ( صلى
الله عليه وسلم) (2) الرحيق المختوم: ص 282 بتصرف.
- ما فعله كعب بن الأشرف وهو من شعراء اليهود من بني نبهان، فبعد هزيمة قريش
في غزوة بدر، أخذ ينظم قصائده التي يسُب فيها الرسول ( صلى الله عليه وسلم) وأعراض
المسلمين، فضلا عن توجهه إلى قريش يذكرهم من خلال أشعاره بقتلاهم في بدر، أملا في
إثارة نار العصبية في قلوبهم، وظل يردد مستنكراً لهزيمة المشركين على يد المسلمين:
أهؤلاء أشراف العرب، وملوك الناس، والله إن كان محمد قد أصاب هؤلاء القوم لبطن
الأرض خيرُُ من ظهرها... ثم تلاقى مع أب
سفيان الذي سأله: أديننا أحب إليك ؟! أم دين محمد وأصحابه ؟1 وأي الفريقين أهدى
سبيلا؟! فقال اليهودي: أنتم أهدى منهم سبيلا وأفضل، وفي ذلك نزل قول الحق – تبارك
وتعالى – [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتَابِ
يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ
أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا] {النساء:51}
- محاولة يهود
بني النضير قتله ( صلى الله عليه وسلم) حينما ذهب إليهم، يطلب منهم المساعدة في دفع دية الكلابيين اللذين قتلهما
عمرو بن أمية الضميري، وذلك وفقاً للعهد الذي كان بينهم وبينه ( صلى الله عليه
وسلم) فأمهلوه حتى يحضروا المال، وطلبوا من الشقي عمرو بن جحاش، ليُلقي عليه الرحى
( صلى الله عليه وسلم ) وكاد ينجح لولا أن أخبره جبريل – عليه السلام – فغادر (
صلى الله عليه وسلم ) ديارهم.
- خرج عشرون رجلا من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة، يُحرضونهم
على غزو الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ووعدوهم من أنفسهم بالنصرة لهم، فأجابتهم
قريش، ثم خرج هذا الوفد إلى غطفان، فدعوهم إلى ما دعوا إليه قريشاً، فاستجابوا
لهم، ثم طاف الوفد بقبائل العرب يدعوهم إلى ذلك فاستجاب لهم منْ استجاب، وهكذا نجح
ساسة اليهود في تأليب أحزاب الكفر على النبي ( صلى الله عليه وسلم) وعلى دعوته
وعلى المسلمين، وذلك ما عُرف بغزوة الأحزاب، ولقد خلد القرآن الكريم ذلك في قول
الحق – تبارك وتعالى – [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ
تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا] {الأحزاب:9} [إِذْ
جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ
وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا] {الأحزاب:10}
[هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا]
{الأحزاب:11}
- لما اطمأن رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم) بخيبر بعد فتحها، أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام
بن مشكم شاة مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ؟!
فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السُم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما
وضعتها بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) تناول الذراع، فلاك منها مُضغة،
فلم يسغها، ولفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخُبرني أنه مسموم، ثم دعا بالمرأة فاعترفت،
فقال لها: ما حملك على ذلك.؟! قالت: قلتُ إن كان ملكاً استرحنا منه، وإن كان نبياً
فسيُخبر فتجاوز عنها.
ذلك بعض ما فعله اليهود مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم) حتى لما حضرت رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم) الوفاة كان يقول في مرضه الذي مات فيه: ( يا عائشة ما
أزال أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهُري من ذلك السم)
(3) صحيح البخاري: ج 3 ص 91.
وهو يقصد بذلك سم الشاة التي قدمتها له زينب بنت الحارث، والتي كانت سبباً
في وفاته( صلى الله عليه وسلم).