الخميس، 15 مارس 2012

خامس وعشرون: الحملة الصليبية الثامنة الفصل الخامس: موقف الغرب ( المسيحية السياسية) من الإسلام (2) مختصرعن الحروب الصليبية (25) الحملة الصليبية الثامنة

الفصل الخامس:
موقف الغرب ( المسيحية السياسية) من الإسلام
(2) مختصرعن الحروب الصليبية
(25) الحملة الصليبية الثامنة
أسباب قيام  الحملة الصليبية الثامنة
اعتبر كلّ المؤرخين حملة لويس التاسع على تونس، حلقة من حلقات المواجهة التي فرضت على قسم من العالم الإسلامي خلال فترة طويلة من الزمن والتي درست أغلب تفاصيلها بطريقة دقيقة في العديد من الملتقيات العلمية
أما عن أسباب الحملات الصليبية بصفة عامة، فقد خاض فيها العديد من المؤرخين، ولكلّ منهم آراؤه وتحاليله. فمنهم من يرى أن هذه الدوافع اقتصادية بحتة، ومنهم من يصدّر في المقدمة العامل الدّيني قبل أي سبب آخر،إلاّ أنه من المؤكّد أن هذه العوامل كلّها في مجملها لها نصيب الأسد في اندلاع وتواصل هذه الحملات الصليبية، وربما لا تخرج أسباب الحملة الصليبية على تونس كثيرا عن نفس التفسيرات، وذلك على النحو التالي:
الدولة الحفصية
(1)            قيام الدولة الحفصية ومقر الخلافة الإسلامية في تونس:
فمن المؤكد أن الفرنجة لم يشعروا البتة بأي خطر يمكن أن يتأتى من افريقية خلال القرنين الخامس والسادس للهجرة فقد عرفت هذه الأصقاع آنذاك فترة من الاضطرابات والتشتت إثر الزحفة الهلالية في منتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، ونتج عن ذلك تقسيم افريقية إلى دويلات متصارعة لا تمثل خطرا على بلاد »الفرنجة والنصارى«، مما يسر لهم استرجاع صقلية بشيء من السهولة. وتواصل الأمر على هذا الحال حتى قدوم عبد المؤمن بن علي سنة (555هـ) حيث استتبت الأمور نسبيا، ولم تعرف افريقية بعض القوة إلا عند قيام الدولة الحفصية
  ثم تطورت الأمور خلال حكم المستنصر بن أبي زكرياء الأول، مؤسس الدولة الحفصية، حيث أصبحت تونس لمدة وجيزة مقر الخلافة، فمن الناحية الغربية للبلاد، أتته البيعة من الأندلس: خاصة من الناصريين بغرناطة، وكذلك من بني عبد الواد بتلمسان، والمرينيين بفاس (سنة 652هـ/ 1254م). ويفيدنا ابن خلدون أن أبا يحيى بن عبد الحق بعث سنة 652هـ/1254م بسفارة إلى المستنصر الحفصي للتأكيد على مبايعته له. وإثر وفاة أبي يحيى سنة 656هـ/1258م، واصل أبو يوسف يعقوب نفس سياسة أخيه في هذا المجال، كما وفد أمير بني توجين (من زناتة) على المستنصر مجددا طاعته.
المغول يقتحموا بغداد 1258.
أما في الناحية الشرقية، فإن انقراض الخلافة العباسية سنة 656هـ/1258م (تحت ضربات المغول) أحدثت تصدعا خطيرا في صلب العالم الإِسلامي نتيجة لانفصام العروة الوثقى والرابطة الروحية التي كانت تشده لبعضه. ولتدارك هذا الوضع، ومن جراء هذا الفراغ، وردت بيعة مكة المكرمة على المستنصر، ويبدو أن أحد الأندلسيين الذي استوطن سابقا تونس وهو أبو محمد عبد الحق بن سبعين كان له تأثير على شريف مكة أبي نمي بن قتادة، وهو الذي حثه على بعث مبايعته إلى الأمير الحفصي، وذلك سنة 657هـ/1259م.
دولة المماليك فى أكبر توسع لها.
 وبعد حوالي سنة ونصف من هذا التاريخ وإثر انتصار المماليك على المغول في فلسطين (رمضان 658هـ/1260م)، وصلت رسالة مبايعة مصر إلى المستنصر (بداية 659هـ/1260م) والتي لقب فيها بأمير المؤمنين،قبل وصول الحملة الصليبية إلى تونس، أصبح المستنصر إذن رمزا هاما في العالم الإِسلامي، فهو مع لقب الخليفة الذي تسمى به سنة 650هـ/1252م، اتخذ أيضا لقب أمير المؤمنين، ولا يستبعد أن يكون هذا العامل من الأسباب التي دفعت لويس التاسع إلى تغيير اتجاه الحملة الصليبية الثامنة إلى تونس، فمن البديهي أن مهاجمة هذا الرمز الذي أصبح له كثير من الدلالات ستشكل انتصارا روحيا ومعنويا على بقية العالم ا لإِسلامي.
لويس التاسع 
ومن الممكن جدا أن لويس التاسع أراد أيضا من وراء حملته هذه إضعاف المستنصر وبالتالي منعه من إغاثة الأندلس، التي مثلت هي الأخرى حلقة من حلقات صراع المسلمين مع القوى المسيحية، وبالتالي يمكن تصور موقف الملك الفرنسي من قضية إخوانه في الدين، الذين كانوا بصدد الاستيلاء على البقية المتبقية من الإِمارات الإسلامية في الأندلس. وهكذا، فإن الهجوم على تونس ساعد بصفة فعلية في وقف أي مساعدة يمكن أن تصل إلى مسلمي الأندلس، وهو بالطبع ما كان يصبو إليه كل المسيحيين، بمن فيهم لويس التاسع.
لويس التاسع ملك فرنسا
 (2) شخصية لويس التاسع
قد تساعدنا نشأة وشخصية لويس  التاسع على فهم أسباب تنظيمه ومساهمته في هذه الحملات الصليبية من حيث تجمع مختلف المصادر والدراسات على أن شخصيته كانت معقدة، وكانت قراراته ومواقفه تبعث على الحيرة؛ إلا أن الشيء الذي لا يمكن الشك فيه البتة هو إيمانه العميق.
ولد لويس التاسع في عام 1214، وتولى السلطة وسنه لم تتجاوز الثانية عشر، وكانت آنذاك الوصية على العرش بلونش دي كاستيل (Blanche de Castille) التي تصفها المصادر الغربية بالتقية، مما أثر تأثيرا عميقا على بقية حياة الملك، كما اهتمت بلونش بتعليم لويس التاسع وخاصة تمرينه على ركوب  الجياد وعلى فنون الحرب؛ مما جعل منه فارسا بارعا مولعا بقيادة الجند، وفي آن واحد رجل دين جمع حوله القساوسة.
لويس التاسع مع حاشيته
إلا أنه انطلاقا من تاريخ حملته الأولى على مصر تغير مجرى حياته، وأصبح يميل أكثر للاختلاء بنفسه والعبادة. ومن المؤكد أنه بالرغم من استماعه لنصائح النبلاء المحيطين به، فإنه لم يكن يطبقها، بعكس تعامله مع رجالات الدين الذين أصبح لهم تـأثير عميق على تصرفاته وعلى سياسته؛ لكن بالرغم من ذلك، فقد أبدى -حسب كل المصادر- الكثير من الحنكة ومن التبصر، مما حمل الأوروبيين على احترامه،فلا غرابة إذن في قرار سان لويس أن يقود حملتين صليبيتين، وهو ما يدفعنا إلى الاحتمال إلى أن دوافعه كانت في مرتبة أولى دينية، نقول هذا بكل احتراز لأن الدوافع الأخرى لها وزنها ولا يمكن تجاهلها.
ويدعم هذا البعد الديني ما ذهب إليه برونشفيك من أن البعض من الرهبان الفرنسيسكان والدومينيكان أوهموا لويس التاسع بإمكانية تنصير السلطان الحفصي . ويؤكد نفس المؤلف أن هذا السبب يبدو له منطقيا، إذ أن إيمان لويس التاسع كان عميقا جدا. وبالطبع، فإن إمكانية تنصير أمير المؤمنين تعد عملية بالغة الأهمية، وهي حسب رأيه من الدوافع التي ساهمت في تغيير وجهته إلى تونس. وبالرغم من أنه لا يمكننا الاقتناع بهذه النظرية، فإن هذا التصرف يتماشى وعقلية العصر، خاصة بالنسبة للملك لويس التاسع الذي تصفه المصادر الفرنسية بأنه كان متطرفا دينيا
(3)        الناحية الاقتصادية:
من الأشياء التي يمكن أن تفسر اتجاه لويس التاسع إلى تونس، هو أن افريقية كانت تتحكم آنذاك في أهم ممرات سوق الذهب السوداني، وهي التي كانت تزود أوربا به. ومن المؤكد أن هذا العامل له أهمية قصوى بالنسبة للجمهوريات التجارية الإِيطالية، وخاصة منها البندقية وجنوة، وقد ساهمت هذه الأخيرة بسفنها لتأمين نقل جنود القديس التاسع. كما أنه من المؤكد أن للإِطار السياسي الذي عرفته صقلية في ذلك التاريخ دورا لا يستهان به في تحويل وجهة القديس لويس إلى تونس.
(4) شارل دنجو أخو لويس التاسع:
فقد استطاع أخ لويس تشارلز من آنيو إقناع لويس بأن يهاجم تونس أولاً، بحيث أن ذلك سيعطيه قاعدة قوية ليبدأ الهجوم على مصر، كما أكد بعض المؤلفين الغربيين على أن شارل هو المسئول عن الغلطة الفادحة التي ارتكبها لويس التاسع في تحوله إلى تونس، وحسبما ذهبوا إليه، فقد كان يأمل في الحصول على منافع تجارية واقتصادية من وراء هذه الحملة، خاصة وأن تونس كانت تعرف آنذاك مجاعة نتج عنها موت العديد من السكان. وهكذا أصبحت في نظرهم لا تمتلك القوة الكافية لرد غزواتهم. إلا أن برونشفيك يرى أنه لم يكن من مصلحة شارل دنجو تحويل وجهة الحملة إلى تونس، إذ كان ينوي الحصول إلى حل سلمي مع المستنصر للحصول على الأداءات التي يطالب بها. إلا أن هذا الرأي لا يستند على أي معلومات تاريخية ثابتة.
لويس والبابا.
(5)          ادعاء بعض التجار  الفرنسيين:
يذكر  ابن خلدون حول اعتزام لويس التاسع »على الحركة إلى تونس متجنيا عليهم فيما زعموا بمال ادعاه تجار أرضهم وأنهم
أقرضوا اللياني،فلما نكبه السلطان، طالبوه بذلك المال وهو نحو ثلاثمائة دينار بغير موجب يستندون إليه، فغضبوا لذلك واشتكوا إلى طاغيتهم (أي لويس التاسع) فامتعض لهم، ورغبوه في غزو تونس لما كان فيها من المجاعة والموتان...
«
 فكما يقول ابن خلدون أن بعض التجار  الفرنسيين اِدّعى أن لهم دينا على أحمد اللياني، وهو أحد كبار رجالات الدولة، وذلك بعد مقتله تحت طائلة التعذيب بأمر من المستنصر. ويفيدنا ابن خلدون أن المستنصر أرسل بمبعوثين إلى لويس التاسع لإيجاد حلّ لهذا المشكل،وقد رفض لويس التاسع التصالح، بالرغم من أن المستنصر قبل أن يدفع مبلغا ضخما له، ويعلمنا صاحب »العبر« أنه »أوفد السلطان إلى  الفرنسيس لاختبار حاله ومشارطته على ما يكف عزمه، وحملوا ثمانين ألفا من الذهب لاستتمام شروطهم فيما زعموا، فأخذ المال من أيديهم وأخبرهم أن غزوه إلى أرضهم. فلما طلبوا المال، اعتل عليهم بأنه لم يباشر قبضه...« هكذا يعد مؤرخنا سبب الحملة، هذه المشكلة، لكن هل يمكن أن تكون هذه المشكلة سبب الحملة الرئيسي في وجهة لويس التاسع إلى تونس؟!

(6) الحنين إلى الماضي:
حيث يذكر ابن خلدون، في تفسير ه لمبادرة لويس التاسع بالهجوم على تونس، برجوعه إلى الفترات القديمة من تاريخ افريقية التي كانت من أول البلاد التي دخلت الدين المسيحي وساندته إلى أن جاء الإسلام، وكان الفتح، فيوضح صاحب »المقدمة« أن ذلك هو ما يفسر »أنه لم تزل في نفوسهم (أي المسيحيين) من ذلك ضغائن، فكان يخالجهم الطمع في ارتجاع ما غلبوا عليه«.
(7) والاضطرابات الداخلية في تونس:
لا يستبعد أن تكون الحالة الداخلية التي عرفتها البلاد انطلاقا من سنة 659هـ/1261م قد شجعت لويس التاسع على الاتجاه إلى تونس، إذ عرفت إفريقية انطلاقا من هذا التاريخ العديد من المشاكل والاضطرابات الداخلية، فقد انتشر الوباء حتى أن المستنصر نفسه أصيب به، لكنه لم يدم طويلا، فلا نجد أي أثر له بعد فترة قصيرة من ذلك، كما ضرب عملة من النحاس سنة 660هـ/1262م أثارت بعض القلاقل لدى العامة.
لكن أهم الاضطرابات التي عرفتها افريقية هي الثورات الداخلية وخاصة منها بالمنطقة الغربية، فتفيدنا المصادر أن أبا علي بن العباس صاحب مليانة ثار سنة 659هـ/1261م، فاضطر المستنصر إلى البعث بأخيه أبي حفص لقمع هذه الثورة. كما ثارت قبيلة الذواودة بقسطنطينة تحت إمرة شيخهم شبل بن موسى، لكن هزمهم السلطان سنة 664هـ/1266م، ثم أعاد الكرة بعد سنتين بإعانة قبائل الكعوب ودباب وبربر سدويكش، وكان له النصر مرة أخرى.
ومن ناحية أخرى، فإن بعض أقرباء السلطان أقضوا مضجعه. فقد هرب عدد منهم إلى خارج البلاد في  انتظار حلول دورهم للثورة والفوز بالسلطة، لهذا نرى المستنصر يجابه الثورات والمؤامرات الداخلية طيلة  العشر سنوات التي سبقت حلول الجيوش الصليبية، كما نلاحظ صراعاً على السلطة بين الشق الموحدي والقادمين الجدد من الأندلسيين الذين أصبحوا يزاحمونهم على المناصب السياسية العليا.
كما عرفت البلاد مجاعة، إذ يعلمنا ابن خلدون أن التجار الفرنسيين الذين اشتكوا المستنصر إلى سان لويس: »رغبوه في غزو تونس لما كان فيها من المجاعة والموتان«
هكذا إذن، رغم القوّة التي كانت تبنى عليها السلطة الحفصية، فإن  الاستقرار والأمن لم يكونا منتشرين في البلاد بصفة قطعية، لكن رغم هذه الثورات والانشقاقات الداخلية يمكن القول إن الدولة الحفصية كانت تعرف انتعاشا نسبيا، ومن الممكن جدا أنه تم إيهام لويس التاسع بضعف القوى الحفصية، مما جعله يطمع في الاستحواذ على تونس بسهولة.
(8) انزعاج لويس التاسع من السلطان المملوكي بيبرس:  
انزعج لويس من الأحداث التي جرت في سوريا، حيث كان السلطان المملوكي بيبرس يهاجم بقايا الممالك الصليبية، فقد استغل بيبرس فرصة التحريض على الحرب بين مدن فينيسيا وجنوه ضد بعضها البعض بين الأعوام 1256 قد أرهقت الموانئ السورية التي كانت المدينتان تسيطران عليها.
وبحلول 1265 كان بيبرس قد سيطر على الناصرة وحيفا وطورون وأرسوف و بينما نزل هوغ أو هيو الثالث القبرصي الملك الاسمي لمملكة القدس اللاتينية في عكا لحمايتها، تحرك بيبرس شمالاً حتى وصل أرمينيا، والتي كانت في ذلك الوقت تحت الحكم المغولي.
قادت هذه الأحداث لويس للدعوة لحملة جديدة عام 1267 بالرغم من قلة الدعم في ذلك الوقت؛  ولعل هذا ما يُفسر انطلاق تلك الحملة في عام 1270 أي بعد حوالي 3 سنوات من التأخير، وقد قام بها عدد قليل من البارونات والفرسان الفرنسيون، إذ إن فشل الحملات الجلي وانحطاط سمعتها صدهم عنها، حتى إن مؤرخ سيرة حياة لويس التاسع الذي رافقه في حملته السابقة رفض الانضمام إليه هذه المرة.
المؤرخ الفرنساوى چان دى چوانفيل حضر الحملة الصليبية السابعة  و أرخ لها
 ويروي هذا المؤرخ أن نبأ الحملة الجديدة كان مفاجئًا للغاية بالنسبة له شخصيًا،وبالنسبة للأشخاص الآخرين المقربين من الملك، وأنه أذهل البارونات، وكانت المعارضة مجمعة تقريبًا على عدم القيام بها، فاضطر الملك إلى شراء حماسة الأسياد بالمال.
خط سير الحملة
من المؤكد أن الملك الفرنسي آنذاك  كان ما زال يتذكر ما حصل له في مصر فبعد النداء الذي توجه به البابا إنوسنت الرابع، خرج لويس التاسع من فرنسا متجها إلى المشرق الإِسلامي يوم 28 أوت 1248م. إلا أن حملته هذه ختمت بهزيمة نكراء سنة 1250م أدّت إلى أسره،وحفظ التاريخ اسم القاضي ابن لقمان الذي سجن سان لويس في داره بالمنصورة وكلف به خصياًّ اسمه صبيح، ويفيدنا المقريزي أن ملك فرنسا افتدى نفسه بمبلغ مالي قدره 400 ألف دينار، وتعهد بعدم محاربة المسلمين، ولم يغادر المنطقة إذ لم يرجع إلى فرنسا إلا سنة 1254م، إلا أن هزيمته وأسره لم يمنعانه من تنظيم صفوفه واقتياد حملة جديدة لغزو بلاد المسلمين.
دار ابن لقمان التي حُبس بها لويس التاسع في مصر.
(1)            مصر ؟! أم تونس؟!
وهنا نتسأل هل كان لويس التاسع ينوي  من أول وهلة التوجه مباشرة إلى تونس؟! أم كان ينوي التوجه إلى مصر؟! أم أنه كان يناور في تحركاته فيُعلن غير ما يُضمر؟!
فقد ذهب بعض المؤرخين إلى أن قرار لويس التاسع  بتنظيم حملة صليبية أخرى نتج عن انتصارات الظاهر بيبرس، وهو ما دفعه - رغم تعهده بعدم محاربة المسلمين- إلى التحول إلى مصر والشام، وتم خروجه من فرنسا يوم 15 مارس 1270م والتحق به أتباعه في «Aigues-Mortes»  . وبعد إتمام عدته، اتجه يوم 2 جويليه إلى مدينة كاغلياري وذلك على متن سفن جنوبية.
وفي هذه المدينة السردينيَّة اكتمل النصاب بوصول بقية المساهمين في الحملة، ومن الملاحظ إلى الآن أن جميع أعضاء الحملة كانوا متأكدين من تحولهم إلى المشرق الإِسلامي نحو مصر أو فلسطين، لكن لويس التاسع جمع قادته ومرافقيه على متن سفينته، وطلب منهم الموافقة على تحويل وجهتهم نحو تونس، ولا تذكر المصادر ما هي المعطيات والعناصر التي اعتمد عليها الملك لإقناعهم، لكن يبدو أن جميعهم بما فيهم رجال الدين وافقوا على مطلبه.
لويس التاسع في الأراضي المقدسة
 لكن كيف تم له ذلك؟! بينما يعلمنا ابن خلدون أن لويس التاسع كان عازما على غزو تونس قبل خروجه من فرنسا، وأن المستنصر الحفصي كان عالما بذلك: »إذ أمر السلطان في سائر عمالاته بالاستكثار من العدة وأرسل في الثغور لذلك بإصلاح الأسوار واختزان الحبوب«وبالرغم من ذلك، فقد بعث »برسل إلى لويس التاسع لاختبار حاله ومشارطته على ما يكف عزمه«
وذلك يدعم  أن لويس عزم على الاتجاه إلى تونس من  البداية،فعند اتجاهه في المرة الأولى إلى المشرق سنة 1248م تحول مباشرة عن طريق قبرص إلى دمياط. أما بالنسبة لهذه الحملة الثانية، فقد قدم عن طريق سردينيا، كما يفيدنا ابن خلدون أن »الطاغية جمع حشده وركب أساطيله إلى تونس آخر ذي القعدة سنة ثمان وستين بسردانيا وقيل بصقلية«
إلا أن  المصادر الغربية تؤكد أن العملية تمت بسردانيا، من ذلك يمكننا استنتاج أن لويس التاسع كان مقرا العزم على الاتجاه إلى تونس قبل خروجه من فرنسا، و أنه لم يعلن ذلك من بداية الحملة  حتى يتجنب انسلاخ القادة  الآخرين عنه فلم يتم إعلامهم باتجاههم إلى تونس إلا في آخر لحظة، وبذلك يفوت عليهم التراجع بعد أن وضعهم أمام الأمر المقضي.
(2)         المساهمون في الحملة:
كان عدد المساهمين في الحملة حسب ما ذكر ابن خلدون: »ستة آلاف فارس وثلاثين ألف من الرجالة فيما حدثني أبي عن أبيه، وكانت أساطيلهم ثلاثمائة بين كبار وصغار وكانوا سبعة يعاسيب (وهي سفن كبيرة) إلا أن هذه الجموع الصليبية لم تبق على هذا العدد فقط، فقد وصلت الإمدادات عن طريق  السفن من صقلية وسردانيا وغيرها.
واصطحب لويس التاسع خلال هذه الحملة أبناءه: فيليب وبطرس (Philippe et Pierre) وجون تريستان (Jean Tristan)؛ كما وجد مع الملك أخاه ألفنس وصهره تيبو (Thibaut) وابنته ايزابال (Isabelle) وكذلك بعض النبلاء ككونت اللوكستنبور وكونت بريطانيا (Le Conte de Bretagne)،الخ. كما مثل الكنيسة الكاردينال رودولف دالبانو (Rodolphe d’Albano).
هذا ما أوردته المصادر الغربية.
أما إذا حاولنا الإطلاع على مختلف الشرائح ا لاجتماعية الأخرى التي ساهمت في هذه الحملة، فنلاحظ أنها متألفة من جميع الطبقات بما فيها رجالات الدين والفلاحين، الخ.
إلا أنه بعكس ما حدث في كل الحروب الصليبية، من مرافقة النساء والأطفال للمقاتلين، فإنه من الصعب تصور أنهم قدموا بأعداد وافرة إلى تونس، والأقرب إلى  الظن أن مرافقة ايزابال لأبيها تعدّ حالة شاذة،فالحملة كانت متكونة من الرجال فقط. ومن المعقول أنهم كانوا ينتظرون تبلور العملية حتى يتم جلب النّسوة والأطفال.
(3)        المواجهة في البحر ؟! أم في البر؟!
 يؤكد ابن خلدون -كما سبق ذكرنا-  أن المستنصر الحفصي حاكم تونس كان على علم تام بمقاصد لويس التاسع، غير أن الأحداث تبرز عكس ذلك، فالمستنصر لم يكن قد عبّأ كل طاقاته للمواجهة وكأن وصول لويس التاسع كون مفاجأة له، كما أنه بدا مترددا في مجابهة العدو، إذ لم يتخذ القرار الأخير في كيفية مجابهته، إذ كانت القوى الحفصية مشتتة، فنراه إثر توالي الأساطيل بمرسى قرطاج يجمع »أهل الشورى من الأندلسيين والموحدين« ويتفاوض معهم في هذا الموضوع.
 وكان موقف هؤلاء أنفسهم متضاربا: فبعضهم نصحه بمقاومة الصليبيين ومنعهم من النزول إلى اليابسة: »فإذا ما فرغ ماؤهم وطعامهم اضطروا إلى الإِقلاع« أما البعض الآخر: فكان يخشى حالةَ إقلاعهم أن يتحولوا إلى ثغور أخرى أقل عدة وعددا، فيمكن لهم آنذاك أن ينزلوا بسهولة من دون أن يجدوا فيها أي مقاومة، خاصة وأن الأسطول الحفصي كان يُعد من بين الأساطيل ذات الأهمية،فإذا ما نزلت السفن الصليبية في عرض البحر كان بإمكانها الاتجاه إلى شواطئ تونسية أخرى.
فريدريك التانى و مراته كونيستانس نصبهم البابا هونوريوس  فى 1220
وربّما مثل هذا أهم الأسباب التي من أجلها لم يحاول المستنصر الحفصي استعمال بحريته لمباغتة جنود الفرنجة من الخلف. لكن مما يستوقفنا أنه لم يرد ما يفيد صراحة استعمال المستنصر الحفصي لأسطوله الحفصي طيلة وجود الصليبيين، فكان بإمكانه على الأقل مداهمة السفن القادمة لتزويد الفرنجة بالمدد من رجال وطعام. إلا أن المصادر لم تحدثنا عن أية عملية من هذا القبيل، لكن المصادر الغربية تفيدنا أن الجيش المسيحي كان ينقصه الطعام طوال فترات وجوده بقرطاج، وذلك رغم عثوره على كميات هامة من الحبوب بها،فهل كان للسفن الحفصية دور في منع وصل المدد للفرنجة؟! وبالطبع لا يمكننا التأكد من ذلك في غياب المعلومات الدقيقة، ولعل الرأي الثاني القائل بعدم التعرض للفرنجة في البحر كان رأي الأغلبية، وقد استحسنه الخليفة الحفصي.
وهكذا أمكن لأعضاء الحملة النزول بساحل قرطاج على أن تتم المنازلة هنالك، ولكن قبل نزولهم أرسل المستنصر قبالة قرطاج بمدينة رادس الحالية: حوالي أربعة آلاف فارس متكونين من المرابطة المتطوعين وجند من الأندلس،وكان هؤلاء تحت إمرة أهم رجالات الدولة: محمد بن الحسين رئيس الدولة، ولم يكن اختيار رادس بحكم الصدفة، فهي كانت قريبة من تونس وأقلّ حماية من بقية الأماكن...
أبو العباس أحمد الحفصي.
كما يفيدنا ابن خلدون بأن المستنصر الحفصي لم يخرج بنفسه لمقاومة الأعداء، بل التزم بالقعود بإيوانه مع بطانته وأهل اختصاصه،إلاّ أن هذا عكس ما عهدنا في المستنصر الذي تولى قيادة جيشه بنفسه في العديد من المناسبات، لهذا يرى الأستاذ العروسي المطوي في كتابه »السلطنة الحفصية« أن هذا يعني قلة حزمه وقصر نظره، وأنه لم يكن مؤمنا بالنصر، وأنه كان متهيئا للفرار عندما يحين وقته، كما يصف موقفه بالمائع، وهو عكس ما يذهب إليه برونشفيك، فهو يرى أن موقفه كان يتصف بالرّصانة وببرودة الدم.
فما هو إذن الموقف الأقرب  إلى الحقيقة؟! رغم قلة المعطيات بل والمعلومات التي يمكن أن تُساعدنا في الحكم على موقف المستنصر، لكن من الراجح أن لويس التاسع استطاع -مثلما ذكرنا أنفا- التمويه على الجميع بما فيهم المستنصر، الذي لم يكن مستعدا لهذا الهجوم، وخاصة أنّ الحالة التي كانت عليها البلاد من مجاعة ومن كثرة عدد الموتى، أضف إلى ذلك بعض الثورات الداخلية، ساهم في صرف اهتمامات الخليفة إلى مشاكله الداخلية. وقدوم هذه الحملة الصليبية على غرّة لم تترك له المجال للتعبئة في الوقت اللاّزم.
كما نعلم أيضا أن الخليفة الحفصي لم يبعث في طلب المدد إلاّ بعد نزول النصارى، فيذكر صاحب كتاب »العبر« أنه إثر نزولهم »بعث (أي المستنصر) في ممالكه حاشدا، فوافته الإمدادات من كل ناحية«. فإذا كان على علم مسبق بقدومهم لطلب النجدة قبل ذلك، وهذا التأخر في جمع العدد والعدة، ووصول الجنود والمتطوعين بعد الوقت المناسب يُشكل دليل آخر على أن وصول الفرنجة كان فعلا مفاجأة للمستنصر، وربما هذا ما يفند الرأي القائل بأن المستنصر الحفصي كان على علم مسبق بقدوم لويس التاسع.
ولم تتوصل الدولة الحفصية إلى تنظيم صفوفها إلا نتيجة لعدم تحرك الجيوش الصليبية في الوقت المحدد، وتردد لويس في الهجوم، مما سهل على المستنصر طلب النجدة من كل أصقاع البلاد فوافاه المدد، وكان من أهم الوافدين على الحاضرة كما عددهم ابن خلدون: أبو هلال عياد صاحب بجاية، وجموع القبائل العربية، وكذلك البربرية كسدويكش التي كانت موجودة بجنوب البلاد، وكذلك قبائل ولهاصة وهوارة، كما وفدت عليه جمع زناتة من المغرب، وقدمت أيضا جنود من بني تومين بقيادة زيان ابن رئيسهم محمد بن عبد القوي، وعيّن  المستنصر على رأسهم يحيى بن صالح الهنتاتي ويحيى بن أبي بكر، إلا أننا لا نملك عدد هؤلاء الجنود، لكن يؤكد ابن خلدون »أن عددهم لا يحصى«.
الإمبراطور الروماني فريدريك الثاني
كما أسهمت الجموع الشعبية بصفة مباشرة في المعركة لا عن طريق تحمل النفقات وتأمين قوات الجند فقط، بل عن طريق المساهمة المباشرة في محاربة الفرنجة -مثلما حدث ذلك بالمشرق- وهذه المساهمة الشعبية دليل قاطع على أنهم اعتبروا مساهمتهم في هذه الحرب جهادا في سبيل الله. فقد خرج الصُلحاء والفقهاء والمرابطون لمباشرة الجهاد بأنفسهم وتبعتهم أعداد وافرة من أتباعهم، خاصّة منهم أهالي القيروان وسوسة. فيمدنا ابن ناجي التنوخي باسمي: أبي علي سالم القديدي الذي قدم وأتباعه من القيروان، وأبي علي عمار المعروفي الذي قدم من الساحل التونسي،كما يذكر ابن خلدون الشيخ أبا سعيد الذي شارك في حفر الخنادق بنفسه، وقد نزل هؤلاء بضاحية أريانة التي جعلوا منها منطلقهم نحو قرطاج.
 وهكذا فإن أغلب الجموع كانت مكونة من المتطوعين الذين قدموا للجهاد ولم تكن مكونة من جنود نظامية تعودت الحرب والكرّ والفرّ، بل ساهم عدد وافر من المرابطين وأتباع الصلحاء في تكوين الجيش الحفصي... لذلك لم تكن جموعاً منظمة تستطيع قلب الأوضاع العسكرية لفائدتها، فرغم حماسها وإيمانها بمفهوم الجهاد وبضرورة الانتصار على العدوّ، ورغم عددها الضخم، فلا يمكن أن نتصور أن دورها كان فعالا بمقدار ما كان عليه دور الجنود المتمرّسين على الحرب.
قرطاج 
 (4) نزول الجيوش الصليبية بقرطاج
كما ذكرنا، لم يستطع المستنصر تجميع الجيوش إلا نتيجة لتردد لويس التاسع في بدء الحرب، رغم أنه حسب ما يبدو لم يلق أي مقاومة عند نزوله على اليابسة، وهو ما يدفعنا مرة أخرى لترجيح أن قدومه إلى تونس باغت أهل البلد....
كان نزول الجيوش الصليبية بقرطاج يوم ستة وعشرين من ذي القعدة 668هـ/18 جويليه 1270م، إلا أن قرطاج كانت خربة وكانت كما يذكر ابن خلدون: »مائلة الجدران، فوصل الجند ما فصله الخراب من أسوارها بألواح الخشب ونضدوا شرفاتها وأداروا على السور خندقا بعيد المهوى وتحصّنوا«. ويبدو أن المستنصر ندم على عدم تخريب قرطاج عند نزول المسيحيين.
وقد وصلتهم رسالة من شارل دنجو يوم 24 من نفس شهر جويليه تحثهم على انتظاره وعدم شنّ الغارات قبل قدومه، وهذا على ما يبدو ما دفع بلويس التاسع إلى عدم الخروج من وراء تحصيناته لمجابهة أعدائه، فقد كان بالفعل ينتظر المدد من صقلية عن طريق أخيه شارل، خاصة وأن الجند الإِسلامي كان يفوق عددا.
ولقد عدها الجميع غلطة فادحة ارتكبها رئيس القوات الإِفرنجية. فعدم مباشرته الحرب سمح للمستنصر أن يجهز نفسه لخوض غمار هذه الحرب، ثم وصلت رسالة ثانية من شارل دنجو يعلم فيها لويس بقرب قدومه وقد أتى بها «Olivier de Ternes» يوم 29 جويليه.
وتجمع المصادر على أن لويس التاسع قبع في تحصيناته بقرطاج، إلا أن سكان البلاد الذين يعرفون بطريقة جيدة الطرقات المؤدية إلى قرطاج، استطاعوا في العديد من المرات التسلل عن طريق البحيرة ومباغتة جيوش العدو، إلاّ أن المصادر الغربية نسبت ذلك إلى تظاهر الأعراب بالدخول في  الدين المسيحي. وعند اقترابهم من صفوف الفرنجة غدروا بهم وطعنوا البعض منهم. على كل حال فهذه المناوشات لم تأت بأي نتيجة تذكر، إذ عرف المسيحيون الأماكن التي يصل منها المسلمون فحصنوها ووضعوا حراسا
في البحيرة.
طوال المدة التي بقيها الصليبيون بقرطاج، وهي نحو أربعة أشهر من 18 جويليه إلى 18 نوفمبر  لم تدر –على ما يبدو- حرب طاحنة، بل كل ما يمكن قوله أن المسلمين كانوا يهاجمون باستمرار أماكن الفرنجة، وخاصة المتطوعين وأتباع الأولياء والصالحين، الذين كانوا يخرجون كل يوم من أريانة للتحول إلى قرطاج، وهو ما يعرف عندنا اليوم بحرب الاستنزاف.
ومن واجبنا التساؤل هل أن السبب الوحيد لعدم خروج الصليبيّين من قرطاج هو انتظار المدد، أم كان يوجد سبب آخر؟! فمن المؤكد أن جلّ المساهمين في هذه الحملة كانوا ينتظرون التحول إلى المشرق  الإسلامي،  وهم يتسألون فبما بينهم  أين يوجد بيت المقدس؟! وأين توجد الخيرات الكثيرة التي وعدوا بها؟!  إلا أن تحويل وجهتهم إلى تونس ربما نتج عنه شيء من التململ، ومن التخاذل في صفوفهم، أو بالأحرى لم يكونوا مؤمنين بأهداف هذه الحملة، وهو ما يمكن تفسير عدم التحامهم مع صفوف المسلمين في معركة حاسمة؟!
وتذكر المصادر الغربية أن الصليبيين قاموا ببعض الهجمات المعاكسة، لكنها حسب نفس المصادر لم تأت بأي نتيجة تذكر، وتعلل ذلك بحلول الوباء داخل معسكر الصليبيين الذي نتج عنه موت العديد من الجند. وهكذا، فإن الابن الأصغر لملك فرنسا مات يوم 3 أغسطس ثم تبعه يوم 7 أغسطس الكردينال رودولف دالبانو.
ثم يؤكد الجميع على موت لويس التاسع نفسه في شهر محرم من عام تسع وستين وستمائة /يوم 25 أغسطس 1270م،إلا أن ابن خلدون يبدي شكه في سبب موت القائد الفرنسي، فيذكر أن: »الله أهلك عدوهم (أي لويس التاسع) وأصبح ملك الفرنجة ميتا، يقال حتف أنفه، ويقال أصابه سهم عرب في بعض المواقف، ويقال أصابه مرض الوباء«. إلا أن المصادر والمراجع على حد سواء لا تذكر وجود وباء خلال تلك السنة بالبلاد التونسية.
إذن فالمعاصرون للويس التاسع أنفسهم يؤكدون على موته من جراء الوباء، لكن يمكن الإشارة إلى أن تحاليل طبية حصلت سنة 1965 على بقايا جمجمة لويس التاسع بيّنت أن موته حاصل من جراء سهم أصابه في فكه الأيمن.
وهذه المصادر نفسها تؤكد أن شارل دنجو الذي وصل يوم موت أخيه خرج في جنده يوم 4 سبتمبر وألحق بالمسلمين خسائر فادحة، كما يذكرون أن المسلمين ردوا بالفعل يوم أول محرم 669/2 أكتوبر 1270، إلا أن الهزيمة لاحقتهم هذه المرة أيضا.
المقصورة الذهبية التي تحوي بعض من رفات القديس الملك لويس التاسع 
(4)          موت لويس التاسع:
في 25 أغسطس مات لويس التاسع أي بعد وصول تشارلز بيوم واحد. ويروى أن آخر ما تلفظ به لويس كان "القدس"، فأعلن تشارلز فيليب الثالث ابن لويس الملك الجديد، ولكن وبسبب صغر سن فيليب، كان تشارلز الملك القائد الفعلي للحملة الصليبية
تنيح الملك لويس التاسع في تونس.
لقد حاولت المصادر والمراجع الغربية إبراز النتائج العسكرية في تلك الحملة على أساس أنه لم يكن يوجد منتصر من الفريقين، إلاّ أنّه يبدو من تضارب بعض الأنباء والتواريخ  أن العديد من المعلومات حول هذه الحملة قد وصلتنا مغلوطة عن قصد، لذلك لا يمكن ا لتأكد من مآل المعارك. كما أنه لا يمكننا أن نتصوّر أن معسكرا منغلقا على نفسه( المعسكر الصليبي) اكتفى في غالب الوقت بالدفاع فقط، هو الذي يكون المنتصر، خاصة وأن أغلب الجنود المكونة لصفوفه لم يكونوا مؤمنين بأهداف الحملة.
ولا شك أن هذا العنصر كان من الدوافع الحقيقية لرغبة شارل دنجو والملك الجديد لفرنسا فيليب الثالث في مغادرة إفريقية. ولهذا تم الاتصال بالسلطة الحفصية لوجود مخرج للفريقين يتم فيه حفظ ماء الوجه.
علم الدولة الحفصية.
(5)          التصالح ونهاية الحملة:
 على كل حال، فإن المستنصر قبل العرض، وهو أن يدفع مبلغا ماليا معينا للقوات المتحالفة. فما السبب في ذلك؟! يؤكد ابن خلدون أن السبب في ذلك  يرجع إلى على فصل الشتاء، ممّا جعل المستنصر يخشى تخلّي الأعراب عنه ورحيلهم إلى مشاتيهم.
وقد يكون من الممكن أن المستنصر لاحظ أيضا أنه رغم تفوق جنده عددا وعدة أنه لم يحصل على الانتصار المنشود. لذلك تم قبول العرض وبعث بوفد لعقد الصلح في ربيع الأول سنة تسع وستين وستمائة/ نوفمبر 1270م، ذلك رغم معارضة رجالات الدولة وخواصه، لذلك فإنه لم يبعث ضمن هذا الوفد أي واحد من الشخصيات الهامة للدولة، إذ ترأس الوفد أبو زيان محمد عبد القوي رئيس قوة بني توجين،بينما عقد الصلح باسم الملك الفرنسي الجديد وكان شارل دنجو وتيبو ملك نفارا.
أمّا الذي تولّى صياغة نص العقد، فهو القاضي ابن زيتون، ولم يتوصل الوفدان إلى الاتفاقية إلا بعد بضعة أسابيع من المفاوضات.
ومن أهم ما ورد في فصول الاتفاقية:
·   أن تدوم الهدنة بين الطرفين خمسة عشر عاما ابتداء من أول نوفمبر 1270م.
·   أن يدفع المستنصر غرامة مالية قدرها مائتان وعشرة آلاف أوقية ذهبا، تدفع أقساطا.
·    أن تؤدى إلى شارل دنجو الأداءات التي كانت تدفع سابقا لفريديريك الثاني بما في ذلك الخمس سنوات التي سبقت ذلك التاريخ.
إلا أن المستنصر الحفصي حمل الرعايا على دفع كل هذه الغرامة التي يقدرها ابن خلدون بدوره بعشرة أحمال من المال، غير أنه رغم أن المستنصر لاقى معارضة من كبار القوم في إجراء هذه الاتفاقية، فإنه يبدو أن عامة الشعب تنفست الصعداء برحيل الغزاة، فبعد 17 يومًا من التوقيع على الاتفاق، ركب الصليبيون السفن وغادروا تونس.،  إذ يؤكد ابن خلدون أن الرعاية دفعوا الأموال عن طواعية.