الباب السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن
الكريم والسنة النبوية المطهرة.
(5)
قتل الأنبياء والرسل
لقد ارتكب اليهود ولا زالوا يرتكبوا كل قبيح ومن أقبح ما ارتكبوا قتل
الأنبياء وهذا ما يتضح لنا فيما يلي:
(أ) موقف اليهود من
أنبيائهم:
قتل اليهود الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام –
لا لشئ إلا إنهم يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ونظرا لقبح أخلاقهم، وفساد
طباعهم، وسوء ضمائرهم، فقد قاموا بقتل أنبياء الله - تبارك وتعالى - عليهم الصلاة
والسلام – ولقد فضح الحق تبارك وتعالى وسوء أخلاقهم وخلد في القرآن الكريم تجرأ هم
على قتل الأنبياء ومن الآيات التي تناولت ذلك الأمر:
- قال الله - تبارك وتعالى -: {إِنَّ
الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ
حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ
فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(1)سورة آل عمران: 21.
- قال تعالى أيضا: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ
وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ
وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ
بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا
تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا
تَقْتُلُونَ) (2) البقرة: 87
هذه معاملة
بنو إسرائيل لأنبيائهم، أسوأ معاملة وأقبحها، فريقا يكذبونه، وفريقا يعتدون عليه
فيقتلونه، وذلك لأنهم كانوا يأتونهم بما لا يشتهونه، من
الأحكام المخالفة لأهوائهم وآرائهم، مما حكم الله تعالى به في التوراة والإنجيل،
وخالفوه هم بأفعالهم وأحكامهم، ولذلك أدى بهم الحال إلى تكذيب بعضهم، بل وإلى
قتل بعضهم ! فيقول الله: أفهذا فعلكم برسلي!
- قال الله - جل وعلا -:
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا
وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى
بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ
اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}(3)
سورة البقرة: 61
أي: "ظلماً، فإنهم قتلوا شعياء، وزكريا،
ويحيى وغيرهم"(4) تفسير السراج المنير (1/141)؛ وتفسير النسفي (1/47).
قال البيضاوي - رحمه الله - في تفسيره: "بسبب كفرهم بالمعجزات التي من جملتها ما عدَّ
عليهم من فلق البحر، وإظلال الغمام، وإنزال المن والسلوى، وانفجار العيون من
الحجر، أو بالكتب المنزلة: كالإنجيل، والفرقان، وآية الرجم، والتي فيها نعت محمد -
صلى الله عليه وسلم - من التوراة، وقتلهم الأنبياء، فإنهم قتلوا شعياء، وزكريا،
ويحيى وغيرهم بغير الحق عندهم إذ لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز قتلهم، وإنما
حملهم على ذلك إتباع الهوى، وحب الدنيا كما أشار إليه بقوله: {ذَلِكَ بِمَا
عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} أي: جرهم العصيان والتمادي والاعتداء فيه إلى
الكفر بالآيات، وقتل النبيين، فإن صغار الذنوب سبب يؤدي إلى ارتكاب كبارها، كما أن
صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها، وقيل كرر الإشارة للدلالة على أن ما
لحقهم كما هو بسبب الكفر والقتل فهو بسبب ارتكابهم المعاصي، واعتدائهم حدود الله -
تعالى -"(5) تفسير البيضاوي (1/331).
لوحة هيروديا اليهودية وإبنتها سالومة (رأس الشهيد يوحنا المعمدان على طبق)، رسم الفنان بول ديلاروش 1843.
- قال تعالى:{لَقَدْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا
تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا
كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (6) المائدة: 70
وقال الله - تبارك وتعالى -: {ضُرِبَتْ
عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ
وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ
وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ
يَعْتَدُونَ}(7) سورة آل عمران:112
قال تعالى { وَإِذْ قُلْتُمْ
يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ
عَلَىٰ
طَعَامٍۢ وَٰحِدٍۢ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ
يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلْأَرْضُ مِنۢ بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا
وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ
ٱلَّذِى
هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ
خَيْرٌ ۚ ٱهْبِطُوا۟ مِصْرًۭا فَإِنَّ
لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
ٱلذِّلَّةُ
وَٱلْمَسْكَنَةُ
وَبَآءُو
بِغَضَبٍۢ
مِّنَ ٱللَّهِ
ۗ ذَٰلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۦنَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا
عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ يَعْتَدُونَ} (8)
البقرة: 61
تمثل عودة اليهود من الأسر البابلي إلى فلسطين وهم يحملون الشمعدان اليهودي..
الملك نبوخذ نصر الآشوري.
قال الحافظ
ابن كثير ( 1/ 67): يقول تعالى: هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة,
وإحلال الغضب بهم من الذلة, بسبب استكبارهم عن إتباع الحق وكفرهم بآيات الله,
وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم, فانتقصوهم
إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم !
فلا كفر أعظم من هذا, أنهم
كفروا بآيات الله, وقتلوا أنبياء الله بغير الحق, ولهذا جاء في الحديث المتفق
على صحته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الكبر بطر الحق، وغمط
الناس"
يعني: رد الحق, وانتقاص الناس, والازدراء بهم والتعاظم عليهم.
ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله, وقتلهم أنبياءه, أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد، وكساهم ذلاً في الدنيا، موصولاً بذل الآخرة، جزاءً وفاقا
ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله, وقتلهم أنبياءه, أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد، وكساهم ذلاً في الدنيا، موصولاً بذل الآخرة، جزاءً وفاقا
روى الإمام أحمد: عن عبد الله يعني ابن مسعود, أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " أشد الناس عذابا يوم القيامة: رجل
قتله نبي، أو قتل نبياً, وإمام ضلالة, وممثل من الممثلين "
وقوله تعالى عن قتلهم ( بغير الحق) زيادة
في بيان شناعة فعلهم، وإلا فمن المعلوم أن قتل النبيين لا يكون بحق أبدا، وأنهم
إنما فعلوا ما فعلوا عن عناد واستكبار، لا عن جهل وعدم علم
وكذا قوله
سبحانه ( لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ
وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا
عذاب الحريق ) (9) آل عمران: 181
وقد ذكر أهل التفسير والسير أنهم قتلوا يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام،
واختلفوا في قتلهم لأبيه زكريا عليه السلام.
قال الحافظ
ابن كثير في البداية والنهاية ( 2/411): وذكروا في
قتله أسبابا كثيرة،
من أشهرها: أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق، كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من
لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، فبقي في نفسها منه،
فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها، استوهبت منه دم يحيى، فوهبه لها فبعثت
إليه من قتله، وجاء برأسه ودمه في طشت إلى عندها، فيقال:
إنها هلكت من فورها وساعتها... روى عن سعيد بن المسيب بسند صحيح قال:
قدم بخت نصر دمشق، فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي، فسأل عنه فأخبروه، فقتل
على دمه سبعين ألفا، فسكن. ( فسبحان الله العزيز ذي انتقام )
قال:روايتين.فت الرواية عن وهب بن منبه: هل مات زكريا عليه السلام موتا،
أو قتل قتلا ؟ على روايتين...
نسب زكريا ويحيى عليهما السلام..
(ب)
محاولة قتل النبي – صلى الله عليه وسلم -
لم يكتف
اليهود بتلك العظائم والجرائم مع أنبياء الله، بل حاولوا قتل خاتم الأنبياء والمرسلين،
أكثر من مرة، وظاهروا على قتله وقتاله وقتال أصحابه، الكفار
وعبدة الأوثان، ومن أشهر محاولات اليهود قتل النبي – صلى الله عليه وسلم -
المحاولة
الأولى:
قال تعالى{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ
أَن يَبْسُطُوٓا۟ إِلَيْكُمْ
أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ
ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ} (10) المائدة : 11
قال ابن
كثير ( 2/34 ): وذكر محمد بن إسحاق ومجاهد وعكرمة وغير واحد:
أنها نزلت
في شأن بني النضير، حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى،
لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين، ووكلوا عمرو بن جحاش بن كعب بذلك،
وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار، واجتمعوا
عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه، فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما
تعاهدوا عليه، فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه، فأنزل الله في ذلك هذه
الآية.
وليست هذه هي الحادثة الوحيدة التي حاول فيه اليهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم فأحبط الله كيدهم، وخيب مسعاهم، بل هناك غيرها.
وليست هذه هي الحادثة الوحيدة التي حاول فيه اليهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم فأحبط الله كيدهم، وخيب مسعاهم، بل هناك غيرها.
المحاولة
الثانية:
قالوا:إمام البخاري: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -
قال: " لما فتحت خيبر
وأطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتحها - أهديت إليه شاة فيها سم, فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد أن لاك منها مضغة ثم لفظها -: " اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود ",
فجُمِعُوا له, فقال لهم حين اجتمعوا
عنده: " إني سائلكم
عن شيء، فهل أنتم صادقي فيه ؟ قالوقالوا:يا أبا القاسم, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" مَن أبوكم ؟ " قالوا: أبونا فلان, قال: "
كذبتم، أبوكم فلان " –
قالقالوا: ابن حجر: أي إسرائيل يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم
عليهم السلام - قالوا: صدقت وبررت, قال: " فهل انتم صادقي عن شيء، إن
سألتكم عنه ؟ " قاقالوا:م يا أبا القاسم, وإن كذبنا عرفت كذبنا كما
عرفته في أبينا, فقال لهم: " مّن أهل النار ؟ " قالوا: نكون فيها زماناً يسيراً،
ثم تخلفوننا فيها, فقال لهم: اخسؤا فيها - أي اسكنوا
فيها سكون ذلة وهوان - والله لن نخلفكم فيها أبدا
ثمفقالوا:: " هل
أنتم صادقي عن شيء، إن سألتكم عنه ؟ " فققالوا:عم, قال: أجعلتم في هذه الشاة
سُماً ؟ " قالوا: نعم ، قال: " فما حملكم على ذلك ؟! " قالوا : أردنا إن كنت كاذبا ، أن نستريح
منك , وإن كنت نبياً لم يضرك ؟!
هكذا جوابهم وردهم القبيح، لسيد الخلق، وإمام المرسلين، صلوات الله
عليه وسلامه فاليهود حاولوا قتل
النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، ولكن الله تعالى نجاه من شرهم ومكرهم
{ يُرِيدُونَ أَن
يُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ
بِأَفْوَٰهِهِمْ
وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ
نُورَهُۥ
وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ
رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ
كُلِّهِۦ
وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} (11) التوبة : 32- 33
ومع هذا
فقد ظل أثر السم فيه صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله عز وجل بعد ثلاث سنين، كما
روى البخاري في المغازي ( 8/131): عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة،
مازال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك
السم)
والأبهر: عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه.
فإذا كانت
هذه الخصلة مذكورة عنهم في كتاب الله تعالى مرارا، فلا يستغرب اجتراؤهم على
الأنفس البريئة المعصومة، من الأطفال والنساء والشيوخ وغيرهم.