الجمعة، 3 فبراير 2012

تاسع عشر:الحملة الصليبية الثانية --- الفصل الخامس: موقف الغرب ( المسيحية السياسية) من الإسلام (2) مختصر عن الحروب الصليبية تاسع عشر:الحملة الصليبية الثانية

الفصل الخامس:
موقف الغرب ( المسيحية السياسية) من الإسلام
(2) مختصر عن الحروب الصليبية
تاسع عشر:الحملة الصليبية الثانية
سوف نعرض لهذه الحملة من خلال النقاط التالية
الحملة الصليبية الثانية
(1) أسباب الحملة:
·      سقوط الرها في أيدي المسلمين
لقد أثار سقوطها الرها في أيدي المسلمين الرعب في نفوس الصليبين وكان لهذا السقوط ردة فعل عنيفة في الغرب الأوروبي، وباعثاً على السرعة في إرسال حملة صليبية جديدة، ليس بسبب المكانة الدينية التي تتمتع بها هذه المدينة في تاريخ النصرانية فحسب، بل لأنها كانت أيضاً، أول إمارة أسسها الصليبيون في الشرق الأدنى، فجاء سقوطها إيذانا بتزعزع البناء الكبير الذي شيده الصليبيون في الحملة الصليبية الأولى في الشرق الأدنى،وأدرك الغرب الأوروبي أنه إذا لم يسارع إلى ترميم ذلك البناء فإنه لن يلبث أن ينهار
·   انحراف الصليبيين عن أهدافهم المعلنة:  وارتفاع وتيرة الطمع بين أمراء الحملة الصليبية، مما زاد التوتر بينهم، وجعلهم في موقع حرج.
·   حالة الاستكانة: التي جاءت نتيجة استقرار كل أمير من الأمراء الصليبيين في المناطق التي احتلها.
·   حالة الاستفاقة: التي دبت في المسلمين، فقد بدأ المسلمون يستفيقون من سباتهم، وأحسوا بالمخاطر الحقيقية الناجمة عن استيلاء الصليبيين على بلاد المسلمين، فوضعوا نصب أعينهم تحريرها مهما كلّف ذلك من ثمن.
·    نداءات الاستغاثة: التي وصلت إلى البابا يوجنيوس الثالث من صليبي الشرق، فقد بعثت ملكة بيت المقدس بوفد رفيع المستوى إلى البابا لطلب النجدة بعد سقوط الرها
البابا يوجنيوس الثالث
(2) موقف رجال الدين المسيحي من الحملة الصليبية الثانية:
أما عن موقف رجال الدين المسيحي من خروج الحملة الصليبية الثانية إلى الشرق، فإنه لم يكد نبأ سقوط الرها – في يد عماد الدين زنكي سنة 539ه/1144م يتردد في عواصم غرب أوروبا حتى أثار مخاوف وقلق شديدين، وأدرك الصليبيون أن ذلك يمثل بداية النهاية لبقية الإمارات الصليبية في الأراضي المقدسة، واستقر الرأي على إرسال وفد إلى البابا يوجنيوس الثالث 540ه - 548ه/1145 -1153م) ليدعو إلى حملة صليبية جديدة.
 فقامت بالفعل في أوروبا حركة كبيرة تدعو بكل حماس إلى سرعة القيام بهذه الحملة لإعادة إمارة الرها إلى المسيحيين، وبادر البابا يوجينيوس الثالث بدعوة لويس السابع ملك فرنسا، وكونراد الثالث إمبراطور ألمانيا ليتزعما تلك الحملة.
وقد رحب لويس السابع بطلب البابا، ودعا أتباعه للاجتماع به للنظر فيما يتخذ من الترتيبات ولما لم يبد هؤلاء أي حماس للاشتراك في هذه الحملة، قرر الملك لويس السابع تأجيل تنفيذ دعوة البابا لمدة ثلاثة شهور، ولجأ إلى أحد أعلام الدين المسيحي في مملكته، وهو القديس برناردرئيس دير كليرفو، الذي كان يتمتع بشهرة كبيرة ويفوق الملك في السلطة على حد تعبير المؤرخ الإنجليزي رانسيمان، فقد كان له قدرة عظيمة على الإقناع والتأثير في الناس، ولم يكد الملك لويس السابع والبابا يوجينيوس يطلبان منه القيام بالدعوة للحملة الصليبية (وقد منحه البابا نفس صلاحية إعطاء صكوك الغفران التي أعطاها البابا أوربانوس الثاني خلال الحملة الصليبية الأولى)حتى أسرع القديس برنارد لتلبية هذا الطلب والعمل بكل قواه من أجل إنجاح هذا المسعى.
 رسم لبرنارد على الزجاج الملون.
وكما وقف البابا أوربان الثاني في كليرمونت يدعو للحملة الصليبية الأولى قبل ذلك بخمسين سنة وقف القديس برنارد خارج كنيسة فيزيليه في شوال 540ه/مارس 1146م يدعو للحملة الصليبية الثانية، ونفذ ببلاغته إلى قلوب متعطشة للحرب والمغامرة فتشتعل ناراً، فلما استمع الناس لسحر بيانه وبلاغته وفصاحته، أخذوا يصيحون طالبين الصلبان، وعندئذ خلع القديس برنارد أرديته الخارجية فقطعت وحيكت صلبانا، وظل هذا القديس ومساعدوه يخيطون الصلبان لكل الذين تطوعوا للاشتراك في هذه الحملة.
 سفن الحملة الصليبية الثانية وهى تغادر موانئ ايطاليا
وبعد عدة أيام كتب القديس برنارد رسالة إلى البابا يتضح منها مدى تأثير رجال الدين المسيحي في الناس ومدى طاعة الناس لهم في ذلك الوقت فيقول فيها: لقد أمرتهم، فأطعت، وما كان لمن أصدر الأمر من سلطة، جعلت طاعتي مثمرة، فلم أكد أفتح فمي وأتحدث حتى تكاثر الصليبيون، فلا حصر لعددهم، فالقرى والمدن هجرها سكانها، فلا تكاد تجد رجلاً واحداً لكل سبع نساء ويصادفك في كل مكان الأرامل اللائي لا زال أزواجهن أحياء.
وبعد ذلك أخذ الحماس يزداد عند القديس برنارد بعد النجاح الذي أحرزه في فرنسا، فأخذ يطوف أقاليم ألمانيا مؤملاً أن يجتذب الألمان للاشتراك في هذه الحملة ونجح إلى حد كبير في التأثير على كونراد الثالث ملك ألمانيا للانضمام إلى الحرب المقدسة.
ولا ننسى اشتراك رجال الدين المسيحي جنباً إلى جنب مع الجند في حصار دمشق فكان مع الملك الألماني كونراد قسيس عجوز يدعى إلياس، طويل اللحية، يعتقدون به، فلما حاصروا دمشق، ركب هذا القسيس حماره وعلق على عنقه صليباً وحمل في يده صليبا وجمع القساوسة بالصلبان وركب الملوك والفرسان بين يديه، ولم يتخلف من الصليبيين المشاركين في الحصار أحد إلا من تركوه لحفظ الخيام. ووقف هذا القسيس أمام الجميع وهو يتقدمهم قائلاً : لقد وعدني المسيح أن أفتح اليوم دمشق ولا يردني أحد. ولكن باءت نبؤته بالفشل إذ هاجمه أحد شباب المجاهدين فقتله وقتل حماره.
أيقونة زجاجية في كنيسة يوحنا المعمدان الأنجليكانية في آشفيلد، أستراليا. تمثل يسوع الراعي الصالح وهو اللقب الذي وصف به في إنجيل يوحنا 11-10
 (3) خط سير الحملة
لقد تألفت تلك الحملة من جيشين كبيرين على رأس أحدهما "لويس السابع" ملك "فرنسا"، ويقود الآخر "كونراد الثالث" إمبراطور "ألمانيا"، وقد عرض عليهما "روجر الثاني" ملك "صقلية" أن يقدم لهما المساعدة للوصول إلى الشرق عن طريق البحر، ولكنهما رفضا هذا العرض بسبب العداء بين "النورمان" في "صقلية" من ناحية، و"فرنسا" و"ألمانيا" من جهة أخرى، ولذلك فقد تقرر أن تسير الحملة براً إلى بلاد الشام، وتم الاتفاق على أن يأتي "كونراد" وجيشه أولاً إلى الشرق، ثم يلحق بهم "لويس" والفرنسيون إلى "القسطنطينية" حتى لا يؤدي مسير الجيشين معًا إلى صعوبة في التموين:
 كونراد الثالث ملك ألمانيا
·   الجيش الألماني: وصل جيش الصليبيين بقيادة "كونراد الثالث" إلى حدود "الدولة البيزنطية" في صيف (542هـ=1147م)، فأعلن الإمبراطور البيزنطي "مانويل كومنين" عن استعداده للسماح للصليبيين بالمرور من أراضيه، وإمدادهم بالمؤن؛ بشرط أن يتعهدوا بالولاء له، وتسليمه كل ما يستولون عليه من البلاد في آسيا، ولكن كونراد رفض هذه الشروط، وساءت العلاقات بين الصليبيين والبيزنطيين، فأسرع الإمبراطور البيزنطي إلى عقد الصلح مع السلطان "مسعود" سلطان السلاجقة
 مسير كونراد الثالث وجيشه في هنغاريا.
لم يبق أمام كونراد الثالث إلاّ أن يتابع سيره إلى آسيا الصغرى، فعبر البوسفور على رأس قواته، وزحف بها نحو الشرق، وبدلاً من أن يسلك طريق الشاطئ الجنوبي لآسيا الصغرى محتمياًَ بالقلاع والمدن البيزنطية المنتشرة على الشاطئ، اختار "كونراد" أن يخترق أراضي السلاجقة، معرِّضاً بذلك قواته لخطر داهم. وما فاقم من الأوضاع تخلي الدليل البيزنطي عنه على إثر نزاع حصل بينه وبينهم، وسمح للسلاجقة بالانقضاض عليهم وقتل عدد كبير منهم، وأسر آخرين، وهو ما اضطر كونراد إلى التراجع بمن بقي من فلول جيشه المُمزَّق، حتى وصل إلى "نيقية".الجيش الفرنسي
·      الجيش الفرنسي:
 لويس السابع ملك فرنسا
أما "لويس السابع" ـ ملك فرنسا ـ فإنه عندما وصل إلى أسوار "القسطنطينية، كان قد بلغه نبأ الصلح الذي عقده الإمبراطور البيزنطي مع سلطان السلاجقة، ما اضطره إلى قبول العرض الذي قدمه إليه مانويل، ويقضي بأن يقسم له جميع الفرنسيين المشتركين في الحملة يمين الولاء والتبعية عما يحتلونه من أراض آسيوية، مقابل إمداده بالتموين اللازم للحملة.
 الإمبراطور البيزنطي عمانوئيل كومنينوس.
وسار لويس بجنوده حتى وصل نيقية؛ وهناك التقى بفلول جيش كونراد الثالث، وتفادياً للوقوع في الخطر الذي لحق بكونراد، آثر أن يسلك الطريق الجنوبي المحاذي لساحل البحر المتوسط، وسار معه "كونراد" وجنوده، إلا أن هذا الأخير أحس بحرج موقفه بعد أن فقد معظم جيشه أمام السلاجقة، فآثر العودة مع جنوده إلى القسطنطينية، وما لبث أن اتجه وجنوده إلى فلسطين على بعض السفن البيزنطية.
واستمر "لويس" في تقدمه حتى وصل إلى "أنطاكية" ـ إحدى المدن البيزنطية الحصينة على الشاطئ الجنوبي لآسيا الصغرى ـ وأراد لويس العبور إلى الشام بحرًا؛ تلافياً لتعريض قواته لخطر السلاجقة إذا ما سلك طريق البر، ولكن البيزنطيين امتنعوا عن تقديم السفن اللازمة لهم، ما اضطر "لويس السابع" إلى نقل جنوده على دفعات إلى الشام بالسفن القليلة المتاحة.
(4) القتال والمعارك
(أ) السلاجقة يقضون على الجيش الألماني:

  رسم يوضح معركة ضورليم الثانية
كان الجيش الألماني يتقدم الجيش الفرنسي عدة أيام وعندما بلغ منطقة دوريليوم شرق مدينة نيقية نفس الموقع الذي انتصر فيه فرنج الحملة الأولى على السلاجقة بقيادة قلج أرسلان قبل خمسين عاماً، وقع الجيش الألماني في قبضة جيش السلطان مسعود أمير سلاجقة الروم في آسيا، فقد تراجع السلطان مسعود وفق خطة عسكرية ذكية حتى واصل الجيش الألماني تقدمه إلى قلب فريجيا، وكان السلطان مسعود قد نشر قواته على قمم الجبال المحيطة بهم.
ولما وصل الجنود الألمان إلى نهر باتيس قرب دوريليوم داهمهم الجيش السلجوقي، وكان قد استبد بهم التعب والظمأ فاختلت قيادتهم، وحاولوا الاحتماء في شعاب الجبال، لكن السلاجقة أحاطوا بهم وأمطروهم وابلاً من السهام، وفقد الجنود الألمان ميزة استعمال السهام لإبعاد الأتراك في حين افتقرت خيالتهم إلى العلف، عندئذ قَّرر كونراد الثالث الانسحاب والعودة من حيث أتى، لكن السلاجقة لم يتركوه وشأنه فهاجموا مؤخرة جيشه ومقدمته وقلبه، فدبَّت الفوضى في صفوفه وتعَّرض أفراده لأفدح الخسائر بين قتل وأسر.
والواقع أن القتال لم يكن سوى مذبحة مروعة، قتل فيها تسعة أعشار الجيش، وأصيب كونراد الثالث نفسه بجرحين أحدهما في رأسه، وقد حاول عبثاً جمع شتات جيشه إلا أنه ترك ساحة المعركة عند المساء ممعناً في الفرار مع من تبقَّى من رجاله، وقليل ما هم، عائدين إلى نيقية، في حين غنم السلاجقة كميات لا حصر لها من الغنائم، فقد غنموا كل ما في معسكر الألمان من مواد وخيول وأسروا أعداداً كبيرة منهم، ظلت الغنائم تباع في أسواق المدن الإسلامية عدة شهور،وبهذه الهزيمة الساحقة يمكننا تأكيد أن الجيش الألماني فشل في تحقيق الغاية التي أتى من أجلها إلى الشرق، مما سيكون له أثرا سيئا على الحملة الصليبية الثانية

(ب) سلاجقة الروم يعرقلون تقدم الجيش الفرنسي:

  إليانور آكيتاين زوجة لويس السابع ملك فرنسا                        
خرج الجيش الفرنسي بقيادة الملك لويس السابع متأخراً عن الجيش الألماني وكانت القوات الفرنسية مساوية في العدد تقريباً للجيش الألماني لكنها كانت كان أكثر تنظيماً. واصطحب لويس السابع معه زوجته اليانور  وفي الوقت الذي كان يجري فيه القتال بين السلاجقة والقوات الألمانية، عبرت القوات الفرنسية البوسفور إلى آسيا الصغرى، ووصلت إلى نيقية، وعلم الملك الفرنسي بهزيمة الإمبراطور الألماني، فأسرع لمواساته ومساعدته.
وعلى الرغم من الاحتياطات التي اتخذها الملك الفرنسي فقد فاجأه السلطان السلجوقي مسعود في مدينة ديكيرفيوم قرب أنطاكية وراح يناور الصليبيين حتى بلغ الجسر المقام على النهر ونشبت في هذا المكان رحى معركة قاسية استطاع الصليبيون خلالها شق طريق لهم على الجسر عند ذلك تراجع مسعود إلى داخل أسوار المدينة، وتمكَّن الصليبيون بعدهما من متابعة طريقهم، ولم يغامر مسعود بالهبوط إلى السهل لمطاردتهم، إلا أن القبائل التركمانية البدوية الضاربة في المناطق الحدودية، تصَّدت لهم وأمطرتهم وابلاً من السهام، كما طاردتهم وتخطَّفت بالقتل جنود المؤخرة والشاردين والمرضى.

ترحيب ريموند الثاني بالملك الفرنسي 
ولم يُنج الجيش الصليبي من الفناء الشامل سوى هبوط الظلام حيث انسحب التركمان، ولم يصل الجيش الفرنسي إلى أنطاكية إلا بعد أن تكبد خسائر هائلة، وبعد أن شفى الإمبراطور الألماني من مرضه أكمل رحلته إلى فلسطين بحراً على سفن الأسطول البيزنطي.
 والتقى الإمبراطور الألماني والملك الفرنسي في القدس مع الملك بلدوين الثالث ملك القدس وأمه مليزاند وكبار القادة ورجال الدين في مملكة القدس، وبحث الجميع موضوع الهدف الذي ستتوجه الحملة لاحتلاله وقرروا أن يكون هدفهم الأول دمشق
(5) مصلحة النفس ؟! مصلحة الصليب؟!
وصل "لويس السابع" إلى"أنطاكية"، حيث استُقبل استقبالاً عظيمًا من الأمراء الصليبيين في "الشام"، ولكن سرعان ما بدأت بوادر الشقاق تلوح بين هؤلاء الأمراء، حتى فقدت تلك الحملة الهدف الأساسي الذي جاءت من أجله، وسعى كل واحد منهم إلى توجيه الحملة لخدمة مصالحه الخاصة وأهوائه الشخصية.
حيث أراد "ريموند دي بواتيه" أمير "أنطاكية" وعم الملكة (إليانور) زوجة لويس السابع ـ أن تتوجه الحملة للقضاء على قوة الزنكيين في حلب، بينما أراد "ريموند" أمير "طرابلس" استرداد قلعة "بعرين" من المسلمين. أما جوسلين الثاني" أمير "الرها"، فقد أراد استرداد إمارته التي استولى عليها "عماد الدين"، لاعتقاده أن سقوط "الرها" إنما كان هو المحرك الأول لتلك الحملة. وأراد لويس ورجاله الاتجاه إلى بيت المقدس، وقد برر ذلك بأنه إنما قبل أن يحمل الصليب، ويأتي إلى الأراضي المقدسة للحج وزيارة بيت المقدس والدفاع عن تلك المدينة، لا لغزو حلب!!.
عماد الدين زنكي
(6) الصليبيون على أبواب دمشق
تابع "لويس السابع" سيره إلى "بيت المقدس"، وهناك استقبل استقبالاً حافلاً، ولكن وللمرة الثانية انحرفت الحملة الصليبية الثانية عن أهدافها، عندما تم عقد مجلس صليـبي كبير، ضم "لويس السابع" و"كونراد الثالث" ـ الذي سبقه إلى "بيت المقدس" ـ والملك "بلدوين الثالث"، وأمراء مملكة "بيت المقدس"، وعدداً كبيراً من كبار رجال الدين والأمراء الصليبيين، حيث اتفق الجميع على مهاجمة "معين الدين أُنر" حاكم "دمشق" الفعلي، الذي كان حليفاً للصليبيين، ولكن نور الدين زنكي حاكم حلب استطاع استمالته إليه. وبالفعل، جهَّز الصليبيون جيشاً لهذه الغاية وزحفوا إلى دمشق (ربيع الأول 542 هـ= حزيران 1148م) فحاصروها، ولكن أهالي دمشق تصدوا لهم بقوة بمشاركة الزهاد والفقهاء في القتال، الذين كان لهم دور كبير في إذكاء شعلة الصمود والتصدي، وبدأت قوات "معين الدين أنر" تتزايد، وتدفقت النجدات إلى "دمشق" من الأبواب الشمالية، وهو ما جعل الصليبيين يتحولون من الهجوم إلى الدفاع.
 قلعة دمشق
والذي زاد من حراجة الموقف الصليـبي هو تلك الشقاقات والخلافات التي وقعت بينهم حول تبعية "دمشق" ومصيرها، وأحقية كل فريق منهم في ضمها إليه في حالة سقوطها والاستيلاء عليها.
(7) فشل الحملة وانسحاب الصليبيين
وفي ذلك الوقت، علم "أُنر" بخروج الأميرين الزنكيين "سيف الدين غازي" أتابك "الموصل" و"نور الدين محمود" أتابك "حلب" لنجدته، فأرسل إلى الصليبيين يهددهم وينذرهم بالخطر الذي سيحيق بهم إذا لم يتركوا "دمشق"، ويعرض عليهم ـ في الوقت نفسه ـ إعطاءهم حصن "بانياس" مقابل الجلاء عن "دمشق".
 كهف بانياس الجولان حيث خاطب السيد المسيح بطرس الرسول
ولم يكن أمام الصليبيين خيار أمام هذا العرض المغري الذي يضمن لهم السلامة بعد أن أحاط بهم الهلاك والردى في كل مكان.
ورجع الصليبيون بعد أربعة أيام من حصار "دمشق" يجرون أذيال الهزيمة والفشل، بعد أن عجزوا عن تحقيق أي هدف من وراء تلك الحملة التي حشدت لها أوروبا رجالها وإمكانياتها، فلم تجنِ من ورائها إلا المزيد من الهزائم والمزيد من القتلى والدماء، وضاعت هيبة الصليبيين في "الشام"، وانحطت مكانتهم وضعف سلطانهم.
وكان فشل هذه الحملة هو نقطة التحول نحو انهزام الصليبيين وزوال وجودهم من العالم الإسلامي، وأصبح المسلمون على قدر كبير من الثقة بأنفسهم، خاصة بعد الانتصارات التي حققها "عماد الدين"، ومن بعده ابنه "نور الدين" على الصليبيين، وارتفاع راية الجهاد ضد الصليبيين،
 نور الدين محمود زنكي
مما أوجد نوعاً من الوحدة والتآزر بين المسلمين، وقد جمعهم لواء الدين ورابطة الإسلام التي تتضاءل أمامها كل العصبيات والقوميات