الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن
الكريم والسنة النبوية المطهرة.
(22)
الحسد .
من أهم صفات المؤمنين الرحمة والتعاطف بعضهم
يعطف على بعض، وحب الخير لبعضهم البعض،
ونبذ الحسد فيما بينهم، أما اليهود فعلى خلاف ذلك فإنهم يتصفون بحقدهم وحسدهم للمسلمين، وعلى كل
صاحب نعمة.
وحقيقة الحسد: إذا أنعم الله على أخيك بنعمة فإن أردت زوالها
فهذا هو الحسد، وإن اشتهيت لنفسك مثلها
فهذا هو الغبطة والمنافسة، أما الأول: فحرام بكل حال، إلا نعمة أصابها
فاجر أو كافر يستعين بها على الشر والفساد فلا يضرك محبتك لزوالها فإنك
ما تحب زوالها من حيث إنها نعمة، بل من حيث إنها يتوسل بها إلى الفساد والشر
والأذى.
والذي يدل على أن الحسد ما ذكرنا آيات. أحدها: هذه الآية وهي
قوله تعالى: { لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ
كُفَّارًا حَسَدًا
مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } فأخبر أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد.
فالحقد والحسد من أخلاق اليهود المذمومة ، ورذائلهم النفسية ،
وطبائعهم الخبيثة ، وهو ذنب إبليس
الأول الذي حمله على معصية الله تعالى ، فرفض السجود لآدم عليه السلام ،
فاستحق اللعنة والطرد من رحمة الله تعالى
ومن آيات القرآن الكريم التي فضحت صفة الحقد والحسد عند بني يهود:
- ما جاء في سورة البقرة فقد قال
تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ
مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ
بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(1) البقرة : 109
فقد حملهم الحسد على
ترك الإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، والكفر به وبدينه ،فيخبر
الله سبحانه عن حسد كثير
من أهل الكتاب ، ويحذر من عداوتهم في الظاهر والباطن ، وأنهم بلغت بهم الحال ،
أنهم ودوا لو أنكم ترجعوا إلى الكفر بالله تعالى والشرك ، وقد سعوا في ذلك
وحاولوا - كما سبق أن أوضحنا – ومكروا وكادوا ، فرد الله كيدهم في نحرهم
، وعصم المؤمنين من شرهم ، مع أنهم يعلمون فضل الإيمان بالله
سبحانه ، وفضل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وفضل المؤمنين من الصحابة رضي
الله عنهم ، ولكن الحسد أعمى بصيرتهم ، وأوردهم الهلاك ! فأمر سبحانه
بالإعراض عنهم فقال ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير )
قال الإمام/ الرازي:
اعلم أن هذا هو النوع الثالث
من كيد اليهود مع المسلمين، وذلك لأنه روي أن فنحاص بن عازوراء، وزيد بن قيس
ونفراً من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: ألم
تروا ما أصابكم، ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير
لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلاً، فقال عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد،
قال: فإني قد عاهدت أني لا أكفر بمحمد ما عشت، فقالت اليهود:
أما هذا فقد صبأ.
وقال حذيفة: وأما أنا فقد رضيت بالله رباً وبالإسلام
ديناً وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً، ثم أتيا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأخبراه فقال: أصبتما خيراً وأفلحتما، فنزلت هذه
الآية.
{وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ
يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ
كُفَّارًا }
فالمراد أنهم كانوا يريدون رجوع المؤمنين عن الإيمان
من بعد ما تبين لهم أن الإيمان صواب وحق، والعالم بأن غيره على حق لا يجوز أن
يريد رده عنه إلا بشبهة يلقيها إليه، لأن المحق لا يعدل عن الحق إلا بشبهة
والشبهة ضربان، أحدهما: ما يتصل بالدنيا وهو أن يقال لهم: قد علمتم ما نزل
بكم من إخراجكم من دياركم وضيق الأمر عليكم واستمرار المخافة بكم، فاتركوا
الإيمان الذي ساقكم إلى هذه الأشياء.
والثاني: في باب الدين: بطرح
الشبه في المعجزات أو تحريف ما في التوراة.
أما قوله تعالى: { حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ }أنه تعالى بين أن حبهم لأن
يرجعوا عن الإيمان إنما كان لأجل الحسد.
قال الجبائي: عنى بقوله{ كَفَّاراً
حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } أنهم لم يؤتوا ذلك من قبله تعالى وإن
كفرهم هو فعلهم لا من خلق الله فيهم.
والجواب أن قوله: { مّنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ } فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بـ «ود» على معنى أنهم أحبوا أن
ترتدوا عن دينكم،وتمنيهم ذلك من قبل شهوتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق
لأنهم ودّوا ذلك من بعد ما تبين لهم أنكم على الحق فكيف يكون
تمنيهم من قبل طلب الحق؟ الثاني: أنه متعلق بحسداً أي حسداً عظيماً منبعثاً من عند
أنفسهم. (2) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
-
ما جاء في سورة النساء فقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً}(3) النساء: 54
جاء في تفسير ابن كثير:
{ أَمْ
يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ
عَلَىٰ
مَآ ءَاتَـٰهُمُ
ٱللَّهُ
مِن فَضْلِهِ } يعني بذلك: حسدهم النبي
صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه
حسدهم له؛ لكونه من العرب، وليس من بني إسرائيل.
وقال الطبراني:
حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا يحيى الحماني، حدثنا قيس بن الربيع عن
السدي، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } الآية،
قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس، قال الله تعالى{ فَقَدْ
ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَـٰهُمْ مُّلْكاً
عَظِيماً }
أي: فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل، الذين
هم من ذرية إبراهيم، النبوة، وأنزلنا عليهم الكتب، وحكموا فيهم بالسنن،
وهي الحكمة، وجعلنا منهم الملوك، ومع هذا { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ بِهِ }
، أي: بهذا الإيتاء، وهذا الإنعام، { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ }
أي: كفر به، وأعرض عنه، وسعى
في صد الناس عنه، وهو منهم ومن جنسهم،
أي: من بني إسرائيل، فقد اختلفوا عليهم، فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل؟
وقال مجاهد: { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ بِهِ } ، أي: بمحمد صلى الله عليه
وسلم { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } ، فالكفرة منهم أشد تكذيباً لك،
وأبعد عما جئتهم به من الهدى، والحق المبين، ولهذا قال متوعداً لهم: { وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ
سَعِيراً } أي: وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم
وعنادهم، ومخالفتهم كتب الله ورسله.
- عن
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : " ما حسدتكم اليهود على شيء ، ما حسدتكم
على السلام والتأمين ". (4) ابن ماجة في سننه ( 856 ) وصححه
الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (697)؛ وفي صحيح الترغيب والترهيب برقم (515).
قال العلماء : إنما حسدوا المسلمين على ذلك ، لما علموا فيهما من
الفضل والخير والبركة،فالتأمين وهو قولنا : آمين كلمة تعني : اللهم استجب لنا
دعائنا
- قال صلى الله عليه وسلم : " ... إنهم لا يحسدوننا
على شيء ، كما يحسدوننا على يوم
الجمعة ، التي هدانا الله لها ، وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام : آمين" (5) أحمد ( 25029 ) وصححه الألباني
في الترغيب (515)
ونظرا لخطورة الحقد والحسد في هدم الأمم بتفشي البغضاء بين أبنائه فقد حذر النبي صلى
الله عليه وسلم أمته من هذا الداء الوبيل في أكثر من موضع:
- فعن الزبير بن
العوام قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :" دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد
والبغضاء ، والبغضاء هي الحالقة ، حالقة الدين ، لا حالقة الشعر ، والذي
نفسي بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه
تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " (6)رواه أحمد ( 1/165 )
وغيره .
- " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب».
- قال أنس: «كنا يوماً جالسين
عند النبي
صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة، فطلع
رجل من الأنصار ينظف لحيته من وضوئه وقد علق نعليه في شماله فسلم، فلما كان
الغد قال عليه السلام مثل ذلك فطلع ذلك الرجل، وقال في اليوم
الثالث مثل ذلك فطلع ذلك الرجل، فلما قام النبي عليه السلام تبعه عبد الله بن عمرو
بن العاص فقال: إني تأذيت من أبي فأقسمت لا أدخل عليه ثلاثاً،
فإن رأيت أن تذهب بي إلى دارك فعلت، قال: نعم، فبات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم
من الليل شيئاً غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله ولا يقوم حتى يقوم
لصلاة الفجر، غير أني لم أسمعه يقول: إلا خيراً.
فلما مرت الثلاث
وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجر، ولكني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، فأردت أن أعرف عملك، فلم
أرك تعمل عملاً كثيراً، فما الذي بلغ بك ذاك؟ قال: ما هو إلا
ما رأيت. فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لم أجد على أحد من
المسلمين في نفسي عيباً ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هي
التي بلغت بك وهي التي لا تطاق "
- قال: " إنه سيصيب أمتي داء الأمم، قالوا: ما داء الأمم؟ قال: الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباعد والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج "
- أن
موسى عليه السلام لما
ذهب إلى ربه رأى في ظل العرش رجلاً يغبط بمكانه
وقال: إن هذا لكريم على ربه
فسأل ربه أن يخبره باسمه فلم يخبره باسمه وقال: أحدثك من عمله ثلاثاً: كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من
فضله، وكان لا يعق والديه ولا يمشي
بالنميمة.
- قال عليه السلام: " إن لنعم الله أعداء، قيل: وما أولئك؟
قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ".
- قال عليه السلام: " ستة يدخلون النار قبل الحساب، الأمراء
بالجور، والعرب بالعصبية والدهاقين
بالتكبر، والتجار بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهالة، والعلماء بالحسد ".