الجمعة، 18 نوفمبر 2011

الفصل الأول: مصادر الفكر اليهودي(1) العهد القديم (ج) توراة موسى - عليه السلام -

(ج)توراة موسى – عليه السلام –
 (لفائف توراتية)
التوراة:كلمة عبرانية تعني الشريعة أو الناموس. ويراد بها في اصطلاح اليهود: خمسة أسفار يعتقدون أن موسى - عليه السلام -  كتبها بيده ويسمونها "بنتاتوك" نسبة إلى "بنتا" وهي كلمة يونانية تعني خمسة أي الأسفار الخمسة.
وفي لسان العرب: التوراة ذات أصل عربي ومصدرها وَرِيَ،و الوراء هو ولد الولد، والواري هو السمين من كل شيء، وناقة وارية أي سمينة، وورَيتُ النار توريةً إذا استخرجتها، واستوريت فلاناً رأياً أي سألته أن يستخرج لي رأياً، ووريت الشيء وواريته أخفيته، ووريت الخبر أُورِيه توريةً إذا سترته وأظهرت غيره وكأنه مأخوذ من وراء الإنسان، لأنه إذا قال وَرَيته فكأنه جعله وراءه حيث لا يظهر، والتورية هي الستر..
(نصوص توراتية مكتوبة على لفائف)
ولو تدبرنا كل المعاني السابقة لوجدنا أن هذه التسمية (التوراة أو التورية حسب الرسم القرآني لها) جاءت لتصف بدقة وبشمولية حال الكتاب الموجود بين أيدي اليهود، ولتصف الكيفية التي يتعامل بها اليهود مع هذا الكتاب، فالتوراة في الواقع كتاب ضخم يحوي بين دفتيه 39 سفراً، وإحدى نسخه المترجمة فيها ما يزيد عن 1128 صفحة بمعدل 380 كلمة لكل صفحة، أي ما يزيد على القرآن الكريم من حيث عدد الكلمات بستة مرات تقريباً، جُمع فيه كل ما أُنزل على أنبياء بني إسرائيل المتعاقبين تباعاً ..
والغالب أن النسخة المعتمدة من التوراة حالياً هي المسماة الموسوية: أي التقليد، وهي النسخة التي أعدها علماء يهود في طبريا على مدى ما يزيد عن ستة قرون (من القرن السادس إلى القرن الثاني عشر الميلادي).
 والتوراة في واقعها تتألف من خمسة أسفار تنسب إلى نبي الله  - موسى عليه السلام - كما ذكرنا سابقاً، وتوصف بأنها أنزلت عليه في طور سيناء وهي على النحو التالي:
- التكوين:
ويقع في خمسين إصحاحاً ويحكي عن الأصول الأولى للحياة البشرية (عن بدء الخلق، وقصة الخطيئة)، وأبناء آدم ونوح، والطوفان، وما كان من أمر أبنائه بعد الطوفان، ورحلة إبراهيم الخليل، وإسماعيل، وإسحاق، وما كان من أمر عيسو ويعقوب، والأسباط، وخلال فصول الكتاب تلمس طبيعة العلاقة بين (الرب والشعب) فالرب هو يقيم ويحاكم ويعاقب الذين يذنبون، ويقود ويساعد ويرفع السالكين حسب أوامره. ولقد كتب هذا الكتاب القديم لكي يسجل قصة إيمان الناس بالله ويساعد في حفظ هذا الإيمان حياً.
 - الخروج:
ويقع في خمسين إصحاحاً ويشرح قصة الخروج أي: ما فعله الله - عز وجل - عندما حرر شعبه - كما تزعم التوراة- من العبودية على أيدي الفراعنة في أرض مصر، وكوّن منهم شعباً ودولة بآمال عريضة للمستقبل وكان نبي الله - موسى عليه السلام -  هو الشخص الأساسي الذي تدور حوله الأحداث خلال هذه الفترة ، فهو الإنسان الذي اختاره الله سبحانه -  لكي يقود شعبه في رحلته أثناء خروجه من مصر وتظهر الوصايا العشر بإعلانه الشريعة من جبل الطور في سيناء.
  اللاويون (اللاويين) أو التوابون أو الأحبار:
ويقع في سبعة وعشرين إصحاحاً توضح الفكرة الرئيسة في اللاويين تعظيم الله والكيفية التي يجب أن يعبده بها شعبه في سلوكهم السوي حتى يتمكنوا من الاحتفاظ بعلاقتهم مع إله إسرائيل المقدس، حيث تأخذ الشرائع والطقوس الكهنوتية في هذا السفر حيزاً كبيراً.
  العدد:
وهو في ستة وثلاثين إصحاحاً، فيه حوادث 38 سنة وثلاثة أشهر، فهذا السفر في مجمله إحصائيات عن الشعب المختار، وأنساب القبائل الإسرائيلية، وتصوير ما حدث في سيناء.
 التثنية:
وهو في أربعة وثلاثين إصحاحاً، ويعني إعادة الشريعة وتكرارها على بني إسرائيل للمرة الثانية، منذ خروجهم من أرض سيناء المصرية إلى وصولهم إلى جنوبي الأردن، وهي آخر الأحكام التي فرضها نبي الله- موسى عليه السلام - قبل وفاته في أرض مؤآب، وأرض الميعاد على مرأى من عينيه كما تزعم التوراة!!.
يقول د. حسن ظاظا: إن التوراة الموسوية كانت قد فقدت من المجتمع اليهودي لعدة قرون، بحيث صار من المحتمل أن يكون نصها الذي كتبه عزرا -عُزير عند المسلمين- مختلفاً جداً عما أنزل على موسى، فبين الرجلين ما يقرب من ألف سنة من الزمان، بل إننا نشعر أن موسى بعد أن مات لم يحتفظ العبريون من ذكراه بشيء. أضاعوا الرجل وأضاعوا توراته بحيث مرت أجيال لا يذكره منهم أحد، ولا يعرفون حتى مكان قبره...

الفصل الأول: مصادر الفكر اليهودي: (1)العهد القديم(ب) القرآن الكريم والتوراة


(ب) القرآن الكريم والتوراة:
(المصحف الشريف)
 (لفائف توراتية)
 ولكن قبل الحديث عن باقي المصادر التي يتشكل منها الفكر اليهودي، لابد وأن نلفت النظر إلى أن القرآن الكريم لا يعترف بتلك الأسفار مجتمعة، فهو لا يعترف إلا بالتوراة التي نزلت على – موسى - عليه السلام والتي تتكون من أسفار ( التكوين – الخروج – اللاويون – العدد – التثنية ) هذا فضلا عن أن هذه الأسفار قد خضعت للتحريف من قبل اليهود.
 قال تعالى: [مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا] {النساء:46}
وقوله – جل شأنه – [فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ] {المائدة:13}
وقوله – سبحانه وتعالى – [قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ(68) ]. {المائدة}.
من تلك الآيات الكريمة يتضح لنا تحريف اليهود للتوراة، هذا فضلا عن إهمالهم لها، نظرا لاختلاف تعاليمها عما تشتهي نفوسهم
قال تعالى: [مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] {الجمعة:5}
أما بقية الأسفار التي حفل بها العهد القديم بخلاف تلك الأسفار الخمسة فقد ألفها أحبار اليهود وكهنتهم، وتلك الأسفار المؤلفة دليلنا على صدق ما نقول من أنها من صنع أحبار اليهود وكهنتهم، فهذه الأسفار الزائفة قد احتوت على ما يتناقض مع الخُلق القويم الذي ينبغي أن يكون عليه الأنبياء كقدوة وأسوة للرعية حيث نجد الأنبياء على صفحات تلك الأسفار الزائفة يرمون بعضهم البعض بأقبح الصفات التي تنافي النبوة مثل: الشعوذة والهوس والتظاهر وابتزاز الأموال بغير حق.
هذا بخلاف روح الفساد التي تنشرها بعض تلك الأسفار كسفرا ( استر – ويهوديت ) حيث يحثان المرأة اليهودية على استغلال جمالها وفتنتها من أجل تحقيق ما تبغية الدولة اليهودية حتى ولو اقترفت جريمة الزنا... الخ من الأخلاق الدنيئة والتي سنوضحها فيما بعد.
وخير دليل على ذلك ما ذكره الحق – تبارك وتعالى – في سورة البقرة في معرض الحديث عن أطماع وصفات ذلك الشعب حيث يقول – سبحانه وتعالى – [أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(75) ]. {البقرة}.
وقوله – جل شأنه – [فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ] {البقرة:79}

الفصل الأول: مصادر الفكر اليهودي (1) العهد القديم (أ) ما المقصود بالعهد القديم

(1): العهد القديم:
(أ) ما المقصود بالعهد القديم:
 (مخطوطات وادي قمران وتشمل سفر النبي أشعيا)
(أ) ما المقصود بالعهد القديم
ويقصد بالعهد القديم أسفار اليهود، والتي تُعتبر التوراة التي نزلت على نبي الله موسى – عليه السلام – جزأ منها، والعهد القديم مقدس عند كل من اليهود والمسيحيين على حد سواء، ولكن أسفاره غير متفق عليها بينهم، حيث تزيد الأسفار وتنقص في عددها ليس بين اليهود والمسيحيين فحسب، بل بين الفرق اليهود، والفرق المسيحية أيضا.
(كتاب التوراة)
فمثلا يضيف بعض أحبار اليهود أسفارا لا يقبلها أحبار آخرون، فإذا ما جئنا إلى المسيحية وجدنا أن النسخة الكاثوليكية من العهد القديم تزيد سبعة أسفار عن النسخة البروتستانتية،  هذا وتنقسم أسفار العهد القديم التي يعترف بها البروتستانت إلى ثلاثة أقسام:
·   القسم الأول التوراة: ويشتمل على أسفار خمسة هي: التكوين – الخروج – اللاوين ( الأحبار ) – العدد – التثنية – وتلك  هي التي يطلق عليها أسفار موسى أو التوراة.

 ( لفائف توراتية )
·      القسم الثاني أسفار الأنبياء: وهي نوعان:
§   أسفار الأنبياء المتقدمين: وتشمل:- يشوع ( يوشع بن نون ) – قضاة – صموئيل الأول – صموئيل الثاني – الملوك الأول – الملوك الثاني.
§   أسفار الأنبياء المتأخرين: وتشمل:- اشعيا – أرميا – حزقيال – هوشع – يوئيل – عاموس – عوبديا – يونان ( يونس ) – ميخا – ناحوم – حبقوق – صفنيا – حجيً – زكريا – ملاخي.
 (صورة لمخطوطات التوراة المحفوظة بالمتحف الأردني)

·      القسم الثالث الكتابات وهو ما يتشعب على ثلاثة أقسام هي:
o  الكتب العظيمة وتشمل: المزامير ( الزبور ) – الأمثال ( أمثال سليمان ) – أيوب.
o  المجلات الخمس: نشيد الأناشيد – راعوث – المراثي ( مراثي أرميا ") الجامعة – استر.
o  الكتب وتشمل: دانيال – عزرا – نحميا – أخبار الأيام الأول – أخبار الأيام الثاني.
وبذلك يكون مجموع تلك الأسفار تسعة وثلاثون سفرا وهي التي تعتمدها وتوافق عليها الكنيسة البروتستانتية.
 أما الكنيسة الكاثوليكية فتضيف سبعة أسفار أخرى وهي: طوبيا – يهوديت – الحكمة – يسوع بن سيراخ – باروخ – المكاًبيين
الأول – المكاًبيين الثاني.


(مسرح أحداث الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى)
تلك لمحة موجزة في شئ من الإجمال عن الأسفار التي يتكون منها العهد القديم، والذي يشكل أول حجر من الأحجار الثابتة، التي يتشكل منها الفكر اليهودي.

الفصل الأول:تاسعا: مصادر الفكر اليهودي:

تاسعا: مصادر الفكر اليهودي:
 جبل الطور
ولليهود أو الإسرائيليين طبائع خاصة لكي نُلم بها إلماما جيدا، لابد وأن نتعرف على المصادر التي يستمد منها يهود الماضي، ويهود الحاضر أفكارهم وعقيدتهم ومذهبهم في الحياة، والنهج الذي يسيرون عليه سواء في الماضي البعيد أو الحاضر القريب.
فهذه المصادر هي التي تشكل الفكر اليهودي أو العقيدة اليهودية، والتي منها تتشكل الشخصية اليهودية، وفي ضوءها تتحدد ملامح العقلية اليهودية، والتي على أساسها يتصرف اليهودي ويتعامل مع غيره من اليهود أو من غير اليهود، ودراسة هذه المصادر أو على الأقل الإلمام بها سيساعدنا في حُسن فهم الشخصية اليهودية
 وباستقراء التاريخ يمكننا أن ندرك أن هؤلاء اليهود قد استمدوا عقيدتهم التي بها يدينون، ومذهبهم الذي له يسلكون من خلال ثلاثة مصادر رئيسية هي:
·      العهد القديم.
·      التلمود.
·      بروتوكولات حكماء صهيون.
هذا ولسوف نعرض لكل مصدر من تلك المصادر في شئ من الإيجاز بحيث يساعدنا ذلك العرض في فهم طبيعة ذلك الشعب وكيفية تفكيره وأهدافه ووسائله لتحقيق تلك الأهداف وذلك على النحو التالي.