الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن
الكريم والسنة النبوية المطهرة.
(31) الضراوة
في عداء المؤمنين:
من بين الصفات التي تجلت في فعل وقول بني
يهود شدة عداوتهم للمؤمنين، عداء يُبرز ما في نفسهم من الشرور وحب والدنيا، ولقد
خلد القرآن الكريم تلك الصفة فيهم في قوله تعالى:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ
عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا
نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ
يَسْتَكْبِرُونَ} (1)سورة المائدة:82
قال الإمام الطبري - رحمه الله تعالى -:
"لتجدن يا محمد أشدَّ الناس عداوةً
للذين صدَّقوك واتبعوك وصدّقوا بما جئتهم به من أهل الإسلام؛ اليهودَ والذين
أشركوا" (2) تفسير الطبري (10/498).
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -
"ما ذاك إلا لأن كفر اليهود عناد وجحود،
ومباهتة للحق، وغَمْط للناس، وتَنَقص بحملة العلم، ولهذا قتلوا كثيراً من
الأنبياء، حتى هموا بقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مرة، وسحروه،
وألَّبوا عليه أشباههم من المشركين - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة
-" (3) تفسير
ابن كثير (3/166).
وقال الرازي - رحمه الله
{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ
عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ
أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ
ٱلَّذِينَ
قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى} أعلم أنه
تعالى لما ذكر من أحوال أهل الكتاب من اليهود والنصارى ما ذكره ذكر في هذه
الآية أن اليهود في غاية العدواة مع المسلمين، ولذلك جعلهم قرناء للمشركين
في شدة العداوة، بل نبه على أنهم أشد في العداوة من المشركين من جهة
أنه قدم ذكرهم على ذكر المشركين.
ولعمري
أنهم كذلك. وعن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال:
" ما خلا يهوديان بمسلم إلا هما بقتله " وذكر الله تعالى أن النصارى ألين عريكة
من اليهود وأقرب إلى المسلمين منهم.
وههنا
مسألتان:
الأولى: قال ابن عباس
وسعيد بن جبير وعطاء والسدي: المراد به النجاشي وقومه الذين قدموا
من الحبشة على الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، ولم يرد جميع النصارى
مع ظهور عداوتهم للمسلمين.
وقال آخرون: مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأي
طريق كان، فإن قدروا على القتل فذاك،
وإلا فبغصب المال أو بالسرقة أو بنوع من المكر والكيد والحيلة، وأما النصارى
فليس مذهبهم ذاك بل الإيذاء في دينهم حرام، فهذا هو وجه التفاوت.
المسألة
الثانية: المقصود من بيان هذا التفاوت تخفيف أمر
اليهود على الرسول صلى الله
عليه وسلم، واللام في قوله لام القسم، والتقدير: قسما إنك تجد اليهود والمشركين
أشد الناس عدواة مع المؤمنين، وقد شرحت لك أن هذا التمرد والمعصية عادة قديمة لهم، ففرغ خاطرك
عنهم ولا تبال بمكرهم وكيدهم.
ثم ذكر تعالى سبب هذا التفاوت فقال: { ذٰلِكَ
بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}
وفي الآية مسألتان:
الأولى: علة هذا التفاوت أن
اليهود مخصوصون بالحرص الشديد على الدنيا والدليل عليه قوله تعالى:
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ
عَلَىٰ
حَيَوٰةٍ
وَمِنَ ٱلَّذِينَ
أَشْرَكُواْ}
[البقرة:96] فقرنهم في الحرص بالمشركين المنكرين للمعاد، والحرص معدن الأخلاق الذميمة لأن من كان حريصاً على الدنيا طرح دينه في طلب الدنيا وأقدم على كل محظور ومنكر بطلب الدنيا، فلا جرم تشتد عداوته مع كل من نال مالاً أو جاهاً.
[البقرة:96] فقرنهم في الحرص بالمشركين المنكرين للمعاد، والحرص معدن الأخلاق الذميمة لأن من كان حريصاً على الدنيا طرح دينه في طلب الدنيا وأقدم على كل محظور ومنكر بطلب الدنيا، فلا جرم تشتد عداوته مع كل من نال مالاً أو جاهاً.
وأما النصارى فإنهم في أكثر
الأمر معرضون عن الدنيا مقبلون على العبادة
وترك طلب الرياسة والتكبر والترفع، وكل من كان كذلك فإنه لا يحسد الناس ولا يؤذيهم ولا
يخاصمهم بل يكون لين العريكة في طلب الحق سهل الانقياد
له، فهذا هو الفرق بين هذين الفريقين في هذا الباب، وهو المراد بقوله تعالى: { ذٰلِكَ
بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ
لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}
المسألة الثانية: القس
والقسيس اسم لرئيس النصارى، والجمع القسيسون. وقال عروة بن الزبير: صنعت النصارى
الإنجيل وأدخلت فيه ما ليس منه وبقي واحد من علمائهم على
الحق والدين، وكان سمه قسيساً، فمن كان على هديه ودينه فهو قسيس. قال قطرب: القس والقسيس
العالم بلغة الروم، وهذا مما وقع الوفاق فيه بين اللغتين،
وأما الرهبان فهو جمع راهب كركبان وراكب، وفرسان وفارس، وقال بعضهم: الرهبان واحد،
وجمعه رهابين كقربان وقرابين، وأصله من الرهبة بمعنى المخافة(4) تفسير الرازي (6/133).
قال الخازن - رحمه الله –
"اللام في قوله لتجدن لام القسم تقديره
والله يا محمد إنك لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا بك وصدقوك؛ اليهود والذين
أشركوا، ووصف الله شدة عداوة اليهود وصعوبة إجابتهم إلى الحق، وجعلهم قرناء المشركين
عبدة الأصنام في العداوة للمؤمنين، وذلك حسداً منهم للمؤمنين" (5) تفسير الخازن (2/320).
قال ابن سعدي - رحمه الله -:
"فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس
معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعياً في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم
لهم، بغياً وحسداً، وعناداً وكفر (6) تفسير السعدي (1/241).
ومن شدة العداء أنهم يعرفون الحق لكنهم لا
يتبعونه, فهم يعرفون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حق، وأنه من عند الله؛
ولكنهم لم يتبعوه، ولما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصل إلى المدينة نظر
إليه اليهود فعرفوه، وأكنوا له العداوة كما روت ذلك أم المؤمنين صفية بنت حيي بن
أخطب زوجة نبينا - صلى الله عليه وسلم - فإنها ذكرت أن حيي بن أخطب أحد زعماء يهود
لما قدم النبي - عليه الصلاة والسلام - المدينة رآه فعرف أنه نبي مما قرأ عنه في
التوراة، تقول صفية - رضي الله عنها -: "أن أباها وعمها التقيا بعد أن رأيا
النبي - عليه الصلاة والسلام -، فقال عمها لأبيها: أهو هو؟ قال: نعم أعرفه بوجهه -
أو بنعته -، قال: فما في صدرك له؟، قال: عداوته ما بقيت"، وهذا مصداق قول
الله - جل وعلا -: {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} (7) سورة البقرة (146).
وقوله - تبارك وتعالى -: {الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} (8) سورة الأنعام (20).- (9) الأيام النظرة والسيرة العطرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم (1/99) بتصرف.
ولقد ورد في القرآن الكريم أنه من شدة
عداوتهم للمؤمنين: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ
وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (10) سورة التوبة (32).
وقوله تعالى{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ
اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (11) سورة الصف (8).
عن انس ابن مالك
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود إي رجل فيكم عبدالله
ابن سلام قالوا أعلمنا وابن أعلمنا أخيرنا وابن أخيرنا فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم افر أيتم أن اسلم عبدالله ابن سلام ؟ قالوا أعاذه الله من
ذلك فخرج عبدالله ابن سلام فقال اشهد أن لا اله إلا الله واشهد
أن محمد رسول الله فقالوا انه شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه قال يعني ابن سلام هذا
الذي كنت أخاف منه يا رسول الله (12) رواه البخاري
.