السبت، 7 يناير 2012

سابعا: الطريق إلي بلاد المسلمين الفصل الخامس: موقف الغرب (المسيحية السياسية ) من الإسلام (2) مختصر الحروب الصليبية سابعا: الطريق إلي بلاد المسلمين

الفصل الخامس:
موقف الغرب (المسيحية السياسية ) من الإسلام
(2) مختصر الحروب الصليبية
سابعا: الطريق إلي بلاد المسلمين
الهيكل الذي أنشأته الكنيسة في فرنسا لخوض الحروب الصليبية سنة 1118
تحركت جموع الفلاحين الأوربيين بنشاط لتهرب من الواقع الأليم الذي تعانيه، ولم تستطع أن تصبر حتى اكتمال تجهيز الجيوش النظامية ، فقررت أن تخرج بنفسها إلى بلاد المسلمين مغترة بأعدادها ومفتونة بحماسها ، وإن كانوا جميعًا ممن لا يحسنون القتال والحروب ، بل لعلهم لم يحملوا سيفًا طيلة حياتهم .. تولى قيادة الجموع الهمجية والتر المفلس ، وكان فارسًا شرسًا من بواسي Poissy , ولم يكن في هذه الحملة إلا ثمانية فرسان فقط ! , وخرجت هذه الحملة من فرنسا وإخترقت ألمانيا، وهي تجمع في طريقها الأنصار والمتحمسين ، وإن كان يبدو عليهم بوضوحٍ عدم الخبرة وإنعدام التنظيم
منظر شامل لمدينة بلغراد
ثم عبرت هذه الجموع إلى الأراضي المجرية ثم البيزنطية ، وفي هاتين المرحلتين الأخيرتين ظهرت بوضوح طبيعة هذه الحملات العدوانية ؛ فقد نظرت هذه الجموع إلى أعدادها وقوتها ، وإسترجعت تاريخها في الحرمان والفاقة ، فنسيت الهدف المعلن الذي خرجوا له ، وهو نصرة المسيحيين الشرقيين ، ومن ثَمَّ قرروا الهجوم على القرى والمدن الآمنة التي في الطريق ، وكلها آهلة بالسكان النصارى الذين من المفترض أنهم جاءوا لنصرتهم !! , لقد كانت وصمة في تاريخ أوربا حيث بدأ السلب والنهب والاعتداء على الرجال والنساء وسرقة الأموال والديار!
حدود الإمبراطورية البيزنطية سنة 1081. ألكسيوس الأول كومنين
دُهِش الإمبراطور البيزنطي من هذه الأعمال التي إرتكبت في دولته من هذه الجموع التي لا تفقه شيئًا لا في الدين ولا في السياسة ولا في الحرب ؛ فإنعدام الدين عندهم واضح لكونهم يقتلون إخوانهم النصارى دون أدنى مبرر ، وإنعدام السياسة واضح أيضًا لأنهم يفعلون ذلك في أراضي الدولة البيزنطية غير مقدرين القوة العسكرية الضخمة لهذه الدولة العتيدة ، كما أنهم لا يفقهون شيئًا في القتال والنزال ، كما هو واضح من أشكالهم وتنظيمهم وطريقة حربهم 
الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين
ومع ذلك فإن الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين تذرَّع بالصبر ، ولم يشأ أن يهاجم هذه الجموع فيفنيها ؛ لأنه كان يريدها لحرب المسلمين ، ومن ثَمَّ لم يتعرض لحملة والتر المفلس بسوء ، وإن كان لم يأمنهم على القسطنطينية ؛ فأنزلهم خارج أسوارها لينتظروا بقية الحملات والجنود .
  بطرس الناسك يقود الحملات الصليبية
وفي هذه الأثناء كان بطرس الناسك قد جمع أعدادًا غفيرة من الفلاحين البؤساء رجالاً ونساءً وأطفالاً ، وإنضم لهم جمع كبير من الأفَّاقين والمجرمين وبنات الهوى 
نهر الراين
وكان تجمعهم في حوض نهر الراين بألمانيا ، ثم غادروا الأراضي الألمانية في 489هـ = 20 من إبريل 1096م ، ولم يكن في هذه الجموع إلا عدد قليل من الفرسان يتقدمهم بطرس الناسك على حماره الأعرج .
المجــــــــــــــــــــــــر
وكما كانت رحلة والتر المفلس إجرامية إرهابية ، كانت أيضًا رحلة بطرس الناسك ؛ إذ إنها بمجرد دخولها للأراضي المجرية حتى بدأت تفسد في الأرض ، وبشكل أكبر وأوسع ؛ لأن أعدادهم كانت أكبر ، وطبيعتهم كانت أفسد ، وظهرت بوضوح في هذه الرحلة النوايا الخبيثة لبطرس الناسك الذي لم يكن يتورع عن إزهاق الأرواح النصرانية وسلب الأموال والممتلكات ، مع أنه كان يطلق على جيشه جيش الرب !
وتفاقمت المأساة وبلغت ذروتها عند مدينة سملين Semlin المجرية ، حيث هجم بطرس الناسك ومن معه على المدينة النصرانية ، فأحدثوا فيها مجزرة بشعة كان ضحيتها أربعة آلاف نصراني جملة واحدة !!
الملك المجري كولومان
وإنتبه الملك المجري كولومان للمصيبة ، ولم يكن يتوقعها من أناس يرفعون الصليب شعارًا لهم ، فجمع قوته وهاجمهم ، فتفرقوا في الغابات المجرية ، وقتل منهم البعض ، وفر الباقون إلى الأراضي البيزنطية المجاورة ليستكملوا مسيرة الإفساد في الأرض
  الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين
وفي الأراضي البيزنطية تجمعت قوتهم من جديد ، ورصدتهم عيون المخابرات البيزنطية ، وتركتهم عمدًا يتحركون صوب القسطنطينية ؛ وذلك للإلتقاء مع جموع والتر المفلس .. غير أن هذا الهدوء من الدولة البيزنطية أغرى الجموع المفسدة بمواصلة السلب والنهب ، فتكررت مأساة سملين في مدينة نيش البيزنطية ، حيث قتل بطرس الناسك ومن معه أعدادًا كبيرة من النصارى الأرثوذكس وأحرقوا الديار بأهلها ، وهنا لم تعبر الجيوش البيزنطية ، بل هجمت على جموع بطرس الناسك ، وقتلت منهم عددًا كبيرًا ، كما إستولت على الأموال والتبرعات التي جمعها بطرس الناسك قبل ذلك من الغرب الأوربي ، ومع ذلك فلم يشأ الجيش البيزنطي أن يفني الجموع المفسدة ؛ لأنه كان يريد توجيههم لحرب المسلمين .
منظر عام لجبال فيتوشا ملتقط من وسط مدينة صوفيا البلغارية
وعند مدينة صوفيا أرسل لهم الإمبراطور البيزنطي وفدًا يحذرهم من عواقب هذه الهمجية ، ويأمرهم بعدم البقاء أبدًا في أي مدينة بيزنطية أكثر من ثلاثة أيام ، ثم تولى فريق من البيزنطيين قيادة هذه الجموع إلى أسوار القسطنطينية لمقابلة فرقة والتر المفلس هناك .

  الصليبيين اعتبروا عنفهم حرب عادله
إن الناظر لأحوال هذه الجموع المفسدة قد يتعجب ، ولكن المحلِّل للتاريخ بدقة سيجد أن هذا أمرٌ طبيعيٌّ جدًّا ، وكثير التكرار في كل مراحل التاريخ ؛ إنها القوة التي نزعت منها الرحمة والأخلاق والدين ، وأي قوة لم تُجمَّل بهذه الآداب فإنها - لا شك - ستكون طاغية مفسدة , لقد فعلت الجيوش الفارسية الشيء نفسه وهي في طريقها لحرب المسلمين في موقعة القادسية ، حيث أغارت على عدة مدن وقرى فارسية في طريقها ، وهذه المدن والقرى لا يقطن فيها إلا الفارسيون الذين تربطهم بهذا الجيش علاقات الدم والدين ، ومع ذلك عاث الجنود الفارسيون في الأرض فسادًا ، وذبحوا أهلها ، ونهبوا أموالهم وديارهم ، وإعتدوا على نسائهم وأطفالهم !
والجيوش البيزنطية ذاتها التي تأمر الآن الجموع المفسدة بأن تملك أعصابها ولا تقتل إخوانها ، هي ذاتها التي أذاقت أهل الشام النصارى العذاب ألوانًا ، وفرضت عليهم الضرائب الباهظة ، وحوَّلت كل المحاصيل والغلال إلى الدولة الرومانية ، وفعلت ذلك وأكثر في مصر ، مع أن الجميع في النهاية ينتمي إلى المذهب الأرثوذكسي !
والجيوش الألمانية النازية ، ماذا فعلت عندما شعرت بقوتها ؟!
إن كل الشعوب التي ذاقت ويلات الألمان كانت شعوبًا نصرانية مثل الألمان ، بل إن الجيوش الإسلامية إن لم تكن إسلامية إلا بالإسم فقط ، وفرغت من الخلق القويم والإلتزام الشديد بقواعد الدين وأصوله ؛ فإنها هي الأخرى جيوشٌ إرهابية يعاني منها المسلمون قبل غير المسلمين ، وهذا نشاهده كثيرًا في الجيوش المسلمة التي تتبع مناهج علمانية بعيدة كل البعد عن الإسلام .

إن هذا الاستعراض لرحلة والتر المفلس أو بطرس الناسك يوضِّح لنا بجلاء طبيعة الحملات الصليبية ، وأنها - وإن رفعت الصليب شعارًا - ما جاءت إلا للسلب والنهب والاستحواذ والتملُّك .
الحملات الصليبية الشعبية
ولم تكن حملات والتر المفلس وبطرس الناسك هي الحملات الشعبية الوحيدة، بل خرجت حملات أخرى من غرب أوربا مثل : حملة فولكمار Volkmar، وحملة جوتشوك Gottschock، وحملة إميخ Emich ؛ وكان شعار كل هذه الحملات الإفساد في الأرض ، وقد قامت حملة إميخ بقتل إثني عشر يهوديًّا في مدينة سبير Spier في وادي الراين، ثم أتبعوهم بقتل خمسمائة يهودي في مدينة وُرمز في وادي الراين ، وذلك في 20 من مايو 1096م ، ثم زاد الأمر أكثر في مدينة مينز حيث قُتل ألف يهودي .
الصليبيين بيقتلوا اليهود فى الحمله الصليبيه الاولى
وقامت حملة فولكمار أيضًا بقتل عدد آخر من اليهود في مدينة براغ ، وكان من الواضح في هذه الحملات العنصرية الفجَّة ، أنهم في البلاد الكاثوليكية يقتلون اليهود ، وفي البلاد الشرقية يقتلون الأرثوذكس ، وسوف يسعون بعد ذلك لقتل المسلمين .
غير أن هذه الحملات الأخيرة ، وخاصةً حملة إميخ وفولكمار ، تعرضت لصدمة قاسية في الطريق ، حيث ترصَّد لها ملك المجر كولومان ، وخاف من تكرار مأساة والتر المفلس ، وبطرس الناسك ؛ ومن ثَمَّ حاصر هذه الحملات الأخيرة ، وأبادها تمامًا ، فلم يكن لها أي دور في المشاركة مع والتر وبطرس في الحرب الصليبية .
لقد كانت نهاية تعيسة لجموع تعيسة هربت من حياة الضنك لتُقتل في غابات المجر ، وتقتل معها أحلام العيش السعيد في بلاد الشرق المسلمة !
أسوار القسطنطينية
نعود إلى أسوار القسطنطينية حيث وصل إليها بطرس الناسك في أوائل أغسطس 488هـ = 1096 - ليلتقي مع والتر المفلس وفرقته، ليصبح التجمع الصليبي كبيرًا جدًّا , وتختلف الروايات في تقدير عدد هؤلاء الفلاحين والمغامرين ، حيث تقدرهم بعض الروايات بخمسة وعشرين ألفًا ، بينما تصل بهم بعض الروايات إلى مائة ألف صليبي ، هذا بخلاف النساء والأطفال .
وعند قدوم بطرس الناسك إستقبله الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين استقبالاً حسنًا ، وإن كان متعجبًا لهذه الجموع الهمجية التي أرسلتها أوربا لنجدته من المسلمين ، غير أنه أدرك أن هذه الجموع ما هي إلا مقدِّمة للجيوش الصليبية المدربة ؛ ومن هنا نصح الإمبراطور بطرس الناسك ومن معه بإنتظار الجيوش النظامية ، وعدم التهوُّر بمقابلة الجيوش السلجوقية المدربة , غير أن الجموع النصرانية ما لبثت أن كررت الفساد في القرى والضِّياع المحيطة بالقسطنطينية ، وكادت السيطرة تفلت من أيدي الجيش البيزنطي ، مما دفع الإمبراطور البيزنطي إلى سرعة نقل هذه الجموع المفسدة عبر مضيق البسفور إلى آسيا الصغرى حيث السلاجقة المسلمين ؛ وذلك ليؤمِّن منطقة القسطنطينية وما حولها .. ومع غضبه الشديد إزاء هذه الأعمال المتهورة إلا أنه أمدَّهم بالنصح والإرشاد ، وساعدهم بالسفن البيزنطية وأعطاهم بعض السلاح ، وأرسل معهم بعض العيون والخبراء .
دخلت الجموع الصليبية إلى آسيا الصغرى ، ولم يطيقوا الصبر حتى تأتي جيوشهم المحترفة ، فقاموا بالإغارة على بعض القرى المسلمة ، وقتلوا وسلبوا ونهبوا ، وزادهم هذا إغراءً فتمادوا في الغيِّ ، وهم لا يدركون أنهم أصبحوا على بُعد عدة كيلو مترات فقط من مدينة نيقية قاعدة السلطان قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش ، سلطان السلاجقة في آسيا الصغرى آنذاك .
قلج أرسلان الثاني وهو عز الدين قلج أرسلان بن مسعود سلطان سلجوقي لسلاجقة الروم
دبَّر السلطان قلج أرسلان مكيدة حربية ، وإستطاع الإيقاع بالجموع الساذجة في فخٍّ محكم ، وحاصرت الجيوش السلجوقية جموع الصليبيين ، ودارت معركة سريعة ظهر فيها الجهل الواضح لهذه الجموع الشعبية ، لينطلق السلاجقة في قتل معظم هذه الجموع ، حتى كادت تُباد عن آخرها ، لولا أن الإمبراطور البيزنطي سمع بأنباء الكارثة ، فأرسل سفنًا حربية وبعض الجنود البيزنطيين الذين إستطاعوا إنقاذ ثلاثة آلاف صليبي فقط ، بينما دُمِّر الباقي تمامًا في الكمين السلجوقي .. وكان ممن قتل في هذا الصدام والتر المفلس ، بينما نجا بطرس الناسك الذي كان في مقابلة مع الإمبراطور البيزنطي وقت وقوع الجموع الصليبية في الكمين السلجوقي .
الهزيمة المخزية للجيش الصليبي في 21 أكتوبر 1096، رسم من حدود عام 1490
كانت صدمة قاسية جدًّا للإمبراطور البيزنطي ، وبطبيعة الحال لبطرس الناسك ، وإحتفظ الإمبراطور بالبقية الباقية من هذه الجموع وقائدهم بطرس الناسك في مدينة القسطنطينية ؛ ليكونوا في انتظار الجيوش الصليبية المحترفة .
وهكذا كانت النهاية المأساوية لكل الحملات الشعبية ، سواء على يد ملك المجر كولومان أو على يد السلاجقة المسلمين ؛ ليدفع فقراء أوربا وفلاحوها ثمن الغرور الذي ملأ رجال دينهم وأمراءهم وإقطاعياتهم ، وهكذا دومًا تدفع الشعوب المغلوبة على أمرها ثمن هوانها وذلتها !
وبينما كان الحال كذلك مع هذه الحملات الشعبية كان العمل يجري على قدم وساق في أوربا الغربية وخاصةً فرنسا ؛ لتجميع الجيوش النظامية وبأعداد ضخمة لم تسبق في تاريخ أوربا ، بل لعلها لم تسبق في تاريخ العالم أجمع