الأحد، 19 فبراير 2012

ثالث وعشرون: الحملة الصليبية السادسة الفصل الخامس: موقف الغرب ( المسيحية السياسية) من الإسلام. (2) مختصر عن الحروب الصليبية ثالث وعشرون: الحملة الصليبية السادسة

الفصل الخامس:
موقف الغرب ( المسيحية السياسية) من
الإسلام.
(2) مختصر عن الحروب الصليبية
ثالث وعشرون: الحملة الصليبية السادسة

الدولة الأيوبية بعد استرداد بيت المقدس 
تمهيد:
كان لتضامن أبناء العادل الثلاثة، وتكاتفهم أثر لا يُنكر في تحقيق النصر وإفشال الحملة الصليبية الخامسة، وكان المأمول أن يبقى هذا التحالف، ويزداد مع الأيام قوة وترابطا بعد المحنة الحالكة، ولكن ذلك لم يحدث؛ فانفرط العقد، ومضى كل واحد منهم في طريقه، ينظر إلى نفسه، ويعظم من شأن مصالحه ومكاسبه دون نظر إلى مصلحة أبيه، ولم تكد تمضي سنوات معدودة حتى شبّ صراع بين السلطان الكامل وأخيه المعظم عيسى صاحب دمشق، واستعان كل منهما بمن يحقق له الظفر؛ فاستعان المعظم عيسى بالسلطان جلال الدين الخوارزمي سلطان الدولة الخوارزمية، واستنجد السلطان الكامل بالإمبراطور فردريك الثاني صاحب صقلية وإمبراطور الدولة الرومانية المقدسة في غرب أوروبا.
 الحملة الصليبية الخامسة
أسباب الحملة:
·   فشل الحملة الصليبية الخامسة اضطربت أحوال الصليبيين في الشام ووقع بينهم من الخلاف ما زعزع مكانتهم وما جعل بعضهم يتجه إلى أوروبا والبابا من جديد طالبين حملة صليبية تعزز وجودهم في الشام.
·   الوعد الذي قطعه فريدريك الثاني إمبراطور ألمانيا حين تُوِّج على عرش الإمبراطورية سنة (612هـ = 1215م) فوعد بالقيام على رأس حملة صليبية إلى الشرق ثمنًا للمساعدة التي لقيها من البابوية في الوصول إلى حكم الإمبراطورية.
·   رغبة البابا هنوريوس الثالث في حملة صليبية للشرق تستعيد هيبة الصليبيين والكنيسة هناك
·     الصراع بين السلطان الكامل وأخيه المعظم عيسى صاحب دمشق، فاستعان كل منهما بمنْ يحقق له الظفر؛ فاستعان المعظم عيسى بالسلطان جلال الدين الخوارزمي سلطان الدولة الخوارزمية، واستنجد السلطان الكامل بالإمبراطور فردريك الثاني صاحب صقلية وإمبراطور الدولة الرومانية المقدسة في غرب أوروبا.
 الملك الكامل محمد انتصر على الحمله الصليبيه الخامسه.
مراحل الحملة
(1)             الدعوة والاستعداد:
بعد مرور أقل من 10 سنوات من نهاية الحملة الصليبية الخامسة بدأت الحملة الصليبية السادسة التي ترأسها الإمبراطور فريدريك الثاني هنشتاوفن الألماني الذي نذر النذر الصليبي للحملة السابقة ولم يفي به حينها، وأراد الإمبراطور أن يحقق مقاصده دون أن يسحب سيفه من غمده، فتزوج في صيف 1225 من ابنة ملك القدس يوحنا دي بريان (يولاندي والمعروفة أيضا باسم إيزابيلا) وتزوج كذلك من ماريا من مونتفيرات، واخذ يطالب بعرش مملكة زالت من الوجود، ودخل في مفاوضات مع السلطان الكاملبدمشق.
الأمر الذي أثار غضب روما، وقيّم البابا مسلك فريدريك الثاني بكل قسوة واتهمه بإهمال "قضية الرب" بل انه هدده بالحرمان من الكنيسة وفرض غرامة مقدارها 100 ألف أوقية من الذهب إذا لم تقم الحملة الصليبية في آخر المطاف، وقد أرجئ البدء بها إلى أغسطس 1227
غي دي لوزينيان
فبدأ فريدريك الثاني ببناء السفن واستأنفت روما في الدعوة إلى الحرب المقدسة ولكن الدعوات قوبلت باللامبالاة ولو أراد فريدريك الخروج لما استطاع أن يجمع في الوقت المعين ما يكفي من الناس لأجل بعثة ما وراء البحار، وفي هذه الأثناء، وقبل خمسة أشهر من الموعد المعين توفي البابا اونوريوس الثالث .

(2)        المراسلات بين السلطان الكامل وفريدريك.
أرسل السلطان الكامل مبعوثه الأمير فخر الدين يوسف إلى الإمبراطور فريدريك يعرض عليه أن يقوم بنجدته ومساعدته في حربه ضد أخيه المعظم عيسى، في مقابل أن يسلمه بيت المقدس وجميع فتوحات صلاح الدين بالساحل الشامي، ويا له من ثمن غالٍ مقابل هدف رخيص!! وقد أحسن الإمبراطور استقبال مبعوث السلطان الكامل، ورد عليه بسفارة مماثلة، واستجاب لعرضه السخي الذي قطع عليه تردده سنوات طويلة، وغادر صقلية في رجب 625 هـ = يونيو 1228م قاصدًا الشام، ممنيًا نفسه بالتتويج في بيت المقدس، وبفخار يحققه يظل التاريخ الأوروبي يلهج بذكره.
البابا هونوريوس الثالث
(3) وفاة البابا هونوريوس الثالث.
قبل خمسة اشهر من الموعد المحدد للحملة توفي البابا هونوريوس الثالث، فخلفه البابا جريجوري التاسع الذي أخذ يستحث فريدريك على النهوض بالحملة، لكن دون جدوى.
 البابا جريجورى التاسع
(4) البابا جريجوري التاسع:
أخذ يلح كذلك من أجل أن يقوم الإمبراطور بهذه الحملة، فأبحر الإمبراطور من برنديزي جنوب إيطاليا قاصداً بلاد الشام، ولكنه عاد مدعياً المرض، فاعتبر البابا هذه العودة نكوصاً فأصدر ضده قرار الحرمان من الكنيسة، فخشي الإمبراطور غضبة البابا فخرج قاصداً عكا، وكان جزء كبير من جيشه قد سبقه إلى بلاد الشام.
وكان فردريك لا يحب أن يدخل في حرب مع المسلمين لأسباب كثيرة ربما كان منها عناده للبابا وكراهيته للكنيسة، وربما كان منها حبه للمسلمين والإسلام بحكم نشأته في صقلية المسلمة، وكانت حملة فردريك هي الحملة الصليبية الملعونة من الكنيسة، فقد وصف البابا:  فريدريك بأنه قرصان وبأنه يريد سرقة مملكة القدس، فكانت أول حملة صليبية لا يباركها البابا. ولكن فريدريك الثاني لم يأبه فاستولى على قبرص ووصل إلى عكا
 الإمبراطور الروماني فريدريك الثاني.
(5) المفاجئات:
فلقد كانت الحملة التي عُرفت في التاريخ بالحملة الصليبية السادسة من أعجب الحملات العسكرية؛ فلم يتجاوز أفرادها 600 فارسًا، يصحبهم أسطول هزيل، وكأن الإمبراطور الألماني قد جاء إلى الشام في نزهة جميلة مع أفراد حاشيته، أو جاء ليفاوض لا ليحارب، وعندما وصل إلى عكا في أخريات عام 625هـ بهدف الحصول على بيت المقدس من الملك الكامل مقابل حمايته من أخيه المعظم، وجد الأمور على غير ما تمنى؛ فقد توفي الملك المعظم عيسي، واقتسم السلطان الكامل وأخوه الملك الأشرف ممتلكاته، وعادت الأمور في البيت الأيوبي إلى الهدوء والاستقرار، ولم تعد هناك حاجة إلى جهود الإمبراطور.
 المسجد الأقصى
وأصبح فردريك في حرج من أمره، وكذلك الملك الكامل، فالكامل لا يود أن يحارب الصليبيين في هذه الظروف القلقة داخلياً وفردريك ما خرج ولا استعد لحرب المسلمين وإنما لحماية الكامل في مقابل بيت المقدس دون حرب، ولو فكر في الحرب فلن يستجيب الصليبيون له وهو محروم من الكنيسة، فلم يجد أمامه إلا أن يفاوض ويستعطف ليأخذ بيت المقدس فيعزز مكانته في أوروبا كلها، وبلغ من استعطافه أن كتب للسلطان الكامل: ( أنا مملوكك وعتيقك، وليس لي عما تأمره خروج، وأنت تعلم أني أكبر ملوك البحر، وقد علم البابا والملوك باهتمامي وطلوعي، فإن رجعت خايباً انكسرت حرمتي بينهم، وهذا القدس فهي أهل اعتقادهم وضجرهم، والمسلمون قد أخربوها فليس لها دخل طائل، فإن رأى السلطان أن ينعم علي بقبضة البلد والزيارة فيكون صدقة منه، ويرتفع رأسي بين ملوك البحر )
السلطان الكامل يعقد صلحاً مع الإمبراطور فريدريك الثاني
(6) اتفاق يافا:
أفلحت هذه السياسة، ونجحت مع السلطان الكامل، ففرّط فيما لا يملك، واستسلم دون قتال إلا من سلاح الدمع، وعقد معاهدة عُرفت بمعاهدة "يافا" في 22 من ربيع الأول 626هـ = 18 من فبراير 1229م بمقتضاها تقرر:
- الصلح بين الطرفين لمدة عشر سنوات.
-  يأخذ الصليبيون بيت المقدس وبيت لحم والناصرة وصيدا.
- أن تبقى مدينة القدس على ما هي عليه؛ فلا يجدد سورها.
- أن يظل الحرم بها بما يضمه من المسجد الأقصى وقبة الصخرة بأيدي المسلمين، وتقام فيه الشعائر، ولا يدخله الصليبيون إلا للزيارة
 كنيسة القيامة
(7) فريدريك في بيت المقدس:
بدموع فردريك واستعطافه حقق ما عجز عنه ملوك وأمراء الصليبيين منذ انتزع صلاح الدين القدس منهم، وقد كان لذلك أسوأ الأثر في نفوس المسلمين حتى إنهم أقاموا المآتم وقالوا المراثي في القدس.
و في 18 مارس 1228 توّج فريدريك الثاني نفسه بنفسه في كنيسة القيامة، فقد رفض رجال الدين تتويج الإمبراطور المحروم من الكنيسة، وفرضت البابوية منعا لممارسة الطقوس الدينية في القدس.
 الشارع الروماني القديم موجود في حارة الشرف وهي حارة اليهود الان
وعندما زار فردريك المسجد الأقصى علم أن السلطان الكامل أمر المؤذنين بعدم إقامة الأذان طيلة وجود الإمبراطور في المدينة فاستاء فردريك لذلك وقال للقاضي شمس الدين: ( أخطأت فيما فعلت، والله إن أكبر غرضي في البيت المقدس أن أسمع أذان المسلمين وتسبيحهم في الليل) ثم إن فردريك رأى قسيسا ًبيده الإنجيل يهم بدخول المسجد الأقصى من الصليبيين فزجره الإمبراطور وطرده، وهدد كل من يدخل المسجد الأقصى من الصليبيين بغير إذن وقال: ( إنما نحن مماليك هذا السلطان الملك الكامل وعبيده، وقد تصدق علينا وعليكم بهذه الكنائس على سبيل الإنعام منه، فلا يتعدى أحد منكم طوره )
الامبراطور الروماني المقدس، فريدريك الثاني، تظهره الصورة في بلاطه في پالرمو
(8) فريدريك والبابا جريجوري التاسع:
توجه فردريك إلى يافا ثم غادرها إلى عكا تاركاً بيت المقدس، وكانت عكا تعيش صراعاً بين الصليبيين الذين فيها، وحاول فردريك أن يبرر أعماله أمام رجال الدين ولكنه عورض
لقد استطاع فـــــريدريك أن يستولي على بيــت المقدس عن طريق التفاوض مع الملك الكـــــــامل الأيوبي وذلك من غير ضربة سيــــف واحدة ومع ذلك لم يرض ما فعله فريدريـك الثاني بابا رومـــــا لأنـه كان متعــــــطشا للغاية لدمــاء المسلمين فأصـــــدر قرارًا ثانيًا بحــــرمان فريدريك من الجـــــــنة وأطلق عليه لقب الزنـــــديق الأكـــــبر, وقال كلمته الشهيرة والتي تعبر بصدق عن النفسية الحاقدة ) إن الملـــــوك الصليـــبيين يذهبون لســــفك دماء المســـــلمين وليس للتفـــاوض معهم (

     نماذح من محاكم التفتيش في عهد البابا جريجوري التاسع
ثم أمر البابا جيوشه بالاعتداء على أراضي فردريك وممتلكاته في إيطاليا وساعده في ذلك حموه حنا برين.
لقد شنــــــت البابوية حربًا ضـــروس ضد أسرة فــــريدريك كلها و عملت أبادتها بالكلية, ودبرت عدة محاولات لاغتيال فريدريك ولكنها باءت بالفشل, وذلك كله لأن فريدريك رفض الانصياع لأوامر البابا في قتــــال المسلمين 
الإفتتاح الرسمي لمحاكم التفتيش على يد البابا جريجوري التاسع
ونشب صراع مسلح بين فريدريك و الحبر الأعظم،  انتهى بهزيمة البابا، وفي سنة 1230 ألغى البابا الحظر عن فريدريك وصادق في السنة التالية على معاهداته مع السلطان الكامل في دمشق ومع المسلمين
وهكذا انتهت الحملة الصليبية السادسة وقد أخذت بيت المقدس هدية من الملك الكامل الذي ضيع جهد عمه صلاح الدين في استردادها من الصليبيين.
الناصر صلاح الدين الأيوبي
(9)         العلاقة بين السلطان الكامل وفريدريك
أدى التقارب في الصفات بين الرجلين؛ فقد كان كلاهما سمحًا، ليّن الخلق إلى توثيق العلاقات بينهما وتبادل الهدايا، وكان فردريك بعد عودته إلى الغرب لا يفتأ يردد أمام أصدقائه: "إن صديقي السلطان المسلم أثمنُ لدي من أي شخص، ما عدا ولدي الملك كونارد". وقد استمرت الصداقة بين فردريك وخلفاء السلطان الكامل في مصر، ومن ذلك تحذيره الصالح أيوب سلطان مصر عندما علم بنية لويس التاسع ملك فرنسا بتوجيه الحملة الصليبية السابعة إلى مصر.