السبت، 24 ديسمبر 2011

الفصل الرابع:تاسعا: نشأت المسيحية الصهيونية:

 الفصل الرابع:
المسيحية السياسية والمسيحية الدينية
تاسعا: نشأت المسيحية الصهيونية:
لقد مرت نشأة المسيحية الصهيونية، أو الصهيونية المسيحية بعدة مراحل نوجزها فيما يلي:
 (1)اليهود وظهور مذهب البروتستانت:

قام اليهود في القرن السادس عشر الميلادي بحركة جريئة جدًّا تهدف إلى إحداث تغيير استراتيجي خطير على الساحة الأوربية بل والعالمية، وكانت هذه الحركة تهدف إلى تحريف النصرانية إلى دين جديد يخدم مصالح اليهود، ولكن باسم النصرانية الجديدة. ومن هنا كان ظهور مذهب "البروتستانت"، أي الاحتجاج أو الاعتراض!!
 مارتن لوثر
لقد كان القس الألماني "مارتن لوثر" مدفوعًا بقوة من اليهود بالثورة على الكنيسة الكاثوليكية المسيطرة على غرب أوربا، وكانت الشعارات المرفوعة هي شعارات الإصلاح، وقام يناصره عامة القساوسة اليهود الذين سيطروا على أكثر من مكان حساس في الكنائس الأوربية.
 صكوك الغفران , التجاره المربحه للرهبان
أظهر "مارتن لوثر" حبه الجارف لليهود، فألف كتابًا سنة 1523م جعل عنوانه "المسيح ولد يهوديًّا"!! ومع أن مارتن لوثر نفسه لم يكن من أصول يهودية (غالبًا لكي لا يثير الشبهة) إلا أنه كتب كلامًا أكثر تعاطفًا مع اليهود من اليهود أنفسهم!! 
 فقد قال على سبيل المثال: "إن الروح القدس (يقصد الله) شاءت أن تُنزِل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم، إن اليهود هم أبناء الرب، ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا نحن النصارى أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل من فتات مائدة أسيادها.
وبهذه الكلمات وأمثالها أثَّر مارتن لوثر في مشاعر الأوربيين تأثيرًا ظل مستمرًّا عدة قرون، بل وإلى زماننا الآن.
قداس بروستانتي
(2)القساوسة اليهود وأفكار يهودية
العصر الجنسوقراطي و غرق البابوات في وحل الرذيله
لم يقف مارتن لوثرعند حد تعظيم قدر اليهود وتقديسهم، بل إن الأمر فاق ذلك عندما تدخَّل معه القساوسة اليهود ليزرعوا أفكارًا أخرى جديدة تؤيد أكثر وأكثر مواقف اليهود، 

ولعل من أهم هذه الأفكار فكرتين كانتا لهما الأثر المباشر في سياسة الأوربيين بعد ذلك، وخاصة البروتستانت .
يسوع محاط برموز الأناجيل الأربعة
الفكرة الأولى : أن العهد الجديد من الإنجيل قد تعرض لتحريف شديد،ولذلك يجب نبذُه والاعتماد فقط على العهد القديم الذي لم يُحرَّف
 التوراة
والعهد القديم هو التوراة! وبذلك أصبح الكتاب المقدس عند البروتستانت (النصارى الجدد) هو التوراة اليهودية!!

 البروتستانت ورعاية بني يهود

الفكرة الثانية فقد زرعوها زرعًا في الديانة الجديدة، وهي أنه لكي يعود المسيح إلى الدنيا لا بد من إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وبغير هذا الوطن لن يعود المسيح.
 حمير يهود
وبذلك أصبح لزامًا على النصارى المحبين للمسيح أن يساعدوا اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، بل وأصبح ذلك جزءًا من العقيدة لا يمكن التنازل عنه، وأكثر من ذلك أن اليهود أخذوا عند البروتستانت قدسيَّة خاصة، جعلتهم يغضُّون الطرف تمامًا عن أي خطأ لهم أو مخالفة، بل يعتبرون مجرد نقدهم هو نقد للربِّ ذاته!!
  (في القرن التاسع قام البابا ستيفان السادس باستخراج جثة سلفه فورموسوس من قبرها و ألبسها لباس البابا اجلسها على كرسي البابويه و عقد لها محاكمه متهما اياها بتزوير الانتخابات و حنث اليمين و من ثم حكم القاضي بقطع اصابع الجثه المتأكله و القائها في البحر!!)

الجدار العازل بين العازل بين البروتستانت والكاثوليك في ايرلندا الشمالية

(3)رفض كاثوليكي وانقسام أوربي
 البابا  ليون والإعتراض على مارتن لوثر
رفضت الكنيسة الكاثوليكية  تلك المبادئ التي نادى بها مارتن لوثر  رفضًا قاطعًا، وهذا الذي رأيناه من مارتن لوثر كان يعتبر ثورة حقيقية على البابا والنظام الكاثوليكي، ومن ثَمَّ فقد دارت حروب مباشرة بين البابا ومارتن لوثر، وانقسمت أوربا نتيجة هذا الصراع إلى طائفتين:

 
 


 طائفة مؤيدة للبابا الكاثوليكي، وتزعمت هذه الطائفة فرنسا، وهي أكبر دولة كاثوليكية في العالم، وحليفة البابا على طول الخط، وكان معها أيضًا أسبانيا وإيطاليا.

وأما الطائفة الثانية فهي الطائفة التي كانت تعادي البابا قبل ذلك سياسيًّا وعسكريًّا، وعلى رأسها ألمانيا وإنجلترا، وهذه الطائفة تمسكت برأي مارتن لوثر على أساس أنه الاتجاه المعاكس للبابا، بصرف النظر عن كونه مقنعًا أو غير مقنع!
هنري الثامن ملك إنجلترا
وفي سنة 1538م أعلن هنري الثامن ملك إنجلترا الانفصال الرسمي عن كنيسة روما الكاثوليكية، وتبنَّى بوضوح المذهب البروتستانتي، بل وفتح باب إنجلترا من جديد لدخول اليهود بعد أن كان مغلقًا من أيام إدوارد الأول سنة 1290م.
إدوارد الأول
وهكذا صارت إنجلترا بروتستانتية مؤيدة لليهود بكل قوتها كجزءٍ من دينها.

ومع أن مارتن لوثر قد تبرأ بعد ذلك من مدحه لليهود، وكتب كتابًا عام 1544م بعنوان "ما يتعلق باليهود وأكاذيبهم"، إلا أن فكره الأول انتشر في كثير من البلدان الأوربية، وبدأ هذا الفكر يظهر في كتابات وأقوال المفكرين والفلاسفة والعلماء ممن اعتنقوا مذهب البروتستانت؛ 
إسحاق نيوتن
فعلى سبيل المثال يقول إسحاق نيوتن العالم الإنجليزي الشهير (1642- 1727م) في كتابه (ملاحظات حول نبوءات دانيال ورؤيا القديس يوحنا): "إن اليهود سيعودون إلى وطنهم، لا أدري كيف سيتم ذلك؟ ولنترك الزمن يفسِّره". 
 (كانط)
ويصف الفيلسوف الألماني (كانط) اليهود بأنهم "الفلسطينيون الذين يعيشون بيننا".
لوحة توضح الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين الذين تم أبادتهم

(4)اكتشاف أمريكا والثورة الفرنسية
كولومبوس
تزامنت هذه الأحداث أيضًا مع اكتشاف أمريكا، ومن ثَمَّ فإنه عندما زادت وتيرة الاضطهاد الكاثوليكي للبروتستانت في أوربا، فإن هؤلاء البروتستانت أصحاب الفكر اليهودي اتجهوا إلى البلاد الجديدة)أمريكا)، وبالتالي -ومع مرور الوقت- صارت نسبة البروتستانت أعلى من نسبة الأسبان الكاثوليك الذي قَدِموا قبلهم.
 الثورة الفرنسية
ثم حدث تطور خطير يصبّ في مصالح المذهب البروتستانتي، وهو قيام الثورة الفرنسية سنة 1789م، التي ثارت على كل التقاليد القديمة في فرنسا، ولم تكتفِ بإزالة الحكم الملكي، بل أزالت كل ما يمتُّ له بصلة. ومن ثَمَّ أعلنت اعتراضها الواضح على المذهب الكاثوليكي، وأنها تتبنَّى المذهب البروتستانتي، مع أنها في الأصل ثورة علمانية لا تؤمن بالدين أصلاً، ولكن حدث هذا كنوع من الاعتراض على كل ما هو قديم!
 نابليون بونابرت
بل إن نابليون بونابرت في سنة 1799م عندما غزا فلسطين، أعلن من هناك نداءً إلى كل يهود العالم ليأتوا إلى فلسطين لإقامة وطن قومي لهم، وذلك كجزء من البروتستانتية التي يعتنقها، ولكن محاولته هذه فشلت؛ لأن الدولة العثمانية بالتعاون مع إنجلترا وروسيا أخرجوه من فلسطين.
 السلطان عبد الحميد الثاني
ولكن هذا التحوُّل في منهج الحكم في فرنسا كان ظاهريًّا فقط ومؤقتًا، وظلت فرنسا كاثوليكية في المعظم.

(5)البروتستانت وإنشاء وطن قومي لليهود
وهكذا ظهرت دعاوى مختلفة بعد ذلك في العالم البروتستانتي تنادي بتقديس اليهود، وإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، ولم تكن أمريكا بعيدة عن هذه المطالب،
"ويليام بلاك ستون"
بل تقدَّم على سبيل المثال "ويليام بلاك ستون" -وهو أحد أبرز هؤلاء البروتستانت في أمريكا- 
  الرئيس الأمريكي بنيامين هاري سون
يطالب الرئيس الأمريكي بنيامين هاري سون سنة 1891م بإطلاق حركة العودة اليهودية إلى فلسطين، وقال في طلبه: "طبقًا لتوزيع الرب أرضه على الأمم، تظل فلسطين وطن اليهود، وتظل ملكًا لهم غير قابل للتصرُّف". 
 جبل الهيكل أو جبل صهيون
وهكذا أظهر ما يسمى بالصهيونية المسيحية، وهي دعوة نصرانية لعودة اليهود إلى فلسطين (جبل صهيون)

ولاحظ أن هذه الدعوة لعودة اليهود إلى فلسطين كانت قبل دعوة (هرتزل) نفسه بتأسيس وطن لليهود في فلسطين (كانت دعوة هرتزل في سنة 1897م)