الجمعة، 14 سبتمبر 2012

(26) الغرور والتكبرواحتقار الغير: أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. الفصل السادس: بني صهيون



الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
(26)  الغرور والتكبرواحتقار الغير:
وهذا من أقبح الصفات,التي يمكن أن يتصف بها المرء،  فالكبر وحده مانع من دخول الجنة كما جاء عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) (1) رواه مسلم برقم (91).
ومما جاء في القرآن الكريم يُخلد تلك الصفات التي تخلق بها بني يهود قوله تعالى:
- ما جاء في سورة البقرة قال تعالى:{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }(2) سورة البقرة.87
قال الإمام ابن كثير:
ينعت تبارك وتعالى بني إسرائيل بالعتو والعناد، والمخالفة والاستكبار على الأنبياء، وأنهم إنما يتبعون أهواءهم، فذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب، وهو التوراة، فحرفوها وبدلوها، وخالفوا أوامرها وأولوها، وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته؛ كما قال تعالى:
{إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ} (المائدة 44)  ولهذا قال تعالى: { وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ } قال السدي عن أبي مالك: أتبعنا، وقال غيره: أردفنا، والكل قريب؛ كما قال تعالى:
{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا } (المؤمنون 14) حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى بن مريم، فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام، ولهذا أعطاه الله من البينات، وهي المعجزات، قال ابن عباس: من إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله، وإبراء الأسقام، وإخباره بالغيوب، وتأييده بروح القدس، وهو جبريل عليه السلام، ما يدلهم على صدقه فيما جاءهم به، فاشتد تكذيب بني إسرائيل له، وحسدهم وعنادهم لمخالفة التوراة في البعض، كما قال تعالى إخباراً عن عيسى:
{وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ }
(آل عمران: 50)  فكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء أسوأ المعاملة، ففريقاً يكذبونه، وفريقاً يقتلونه، وما ذاك إلا لأنهم يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم، وبالإلزام بأحكام التوراة التي قد تصرفوا في مخالفتها، فلهذا كان ذلك يشق عليهم، فكذبوهم، وربما قتلوا بعضهم، ولهذا قال تعالى: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنفُسُكُم ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ }(3) تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
قال الإمام الرازي:
أما قوله تعالى{ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم ٱسْتَكْبَرْتُمْ } فهو نهاية الذم لهم، لأن اليهود من بني إسرائيل كانوا إذا أتاهم الرسول بخلاف ما يهوون كذبوه، وإن تهيأ لهم قتله قتلوه. وإنما كانوا كذلك لإرادتهم الرفعة في الدنيا وطلبهم لذاتها والترؤس على عامتهم وأخذ أموالهم بغير حق، وكانت الرسل تبطل عليهم ذلك فيكذبونهم لأجل ذلك ويوهمون عوامهم كونهم كاذبين ويحتجون في ذلك بالتحريف وسوء التأويل، ومنهم من كان يستكبر على الأنبياء استكبار إبليس على آدم. (4) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
قال الإمام القرطبي:
قوله تعالى{ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ } أي بما لا يوافقها ويلائمها؛ وحُذفت الهاء لطول الاسم؛ أي بما لا تهواه{ ٱسْتَكْبَرْتُمْ } عن إجابته ٱحتقاراً للرسل، وٱستبعاداً للرسالة. (5) تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي

- ما جاء في سورة البقرة قال تعالى:{وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (6) سورة البقرة (111).
قال الإمام ابن كثير:
يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه، حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى، أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها، كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة، أنهم قالوا:
{ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} (المائدة (18 فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم، ولو كانوا كما ادعوا، لما كان الأمر كذلك، وكما تقدم من دعواهم، أنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة، ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة.
 فقال: { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ }  وقال أبو العالية: أماني تمنوها على الله بغير حق، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس. ثم قال تعالى: { قُلْ } أي: يا محمد { هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ } قال أبو العالية ومجاهد والسدي والربيع بن أنس: حجتكم، وقال قتادة: بينتكم على ذلك { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } ، أي فيما تدعونه. (7) تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
عن انس ابن مالك رضي الله عنه إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن المرأة التي حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا إي شيء إلى النكاح فبلغ الأمر ذلك لليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيء إلى خالفنا فيه. رواه مسلم 
- في سورة المائدة قال تعالى: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } (8) سورة المائدة :18
قال الإمام الطبري:
عن ابن عبـاس، قال: أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضا وبحريّ بن عمرو، وشأس بن عديّ، فكلـموه، فكلّـمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلـى الله وحذّرهم نقمته، فقالوا: ما تـخوّفنا يا مـحمد، نـحن والله أبناء الله وأحبـاؤه كقول النصارى، فأنزل الله جلّ وعزّ فـيهم: { وَقَالَتِ الـيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَـحْنُ أبْناءُ اللّه وأحِبَّـاؤُهُ }... إلـى آخر الآية. وكان السديّ يقول فـي ذلك بـما:
حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ{ وَقالَتِ الـيَهُودُ والنَّصَارَى نَـحْنُ أبْناءُ اللّهِ وأحبَّـاؤُهُ }
 أما أبناء الله فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلـى إسرائيـل أن ولداً من ولدك أدخـلهم النار فـيكونون فـيها أربعين يوماً حتـى تطهرهم وتأكل خطاياهم، ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كلّ مختون من ولد إسرائيـل، فأُخْرجهم. فذلك قوله:
{لَنْ تَـمَسَّنا النَّارُ إلاَّ أيَّاما مَعْدُوداتٍ}
وأما النصارى، فإن فريقاً منهم قال للـمسيح: ابن الله. (9) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
قال الإمام القرطبي:
قوله تعالى{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } قال ٱبن عباس: خوّف رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً من اليهود العقاب فقالوا: لا نخاف فإنا أبناء الله وأحِبّاؤه؛ فنزلت الآية.
قال ٱبن إسحاق: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضا وبَحْرِيّ بن عَمرو وشَأسُ بن عَدِيّ فكلموه وكلمهم، ودعاهم إلى الله عز وجل وحذّرهم نقمته فقالوا: ما تُخوفنا يا محمد؟؛ نحن أبناء الله وأحِباؤه، كقول النصارى؛ فأنزل الله عز وجل فيهم { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } إلى آخر الآية
 قال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عُبَادة وعقبة بن وهب: يا معشر يهود ٱتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مَبعثه، وتصفونه لنا بصفته؛ فقال رافع بن حُرَيْملة ووهب بن يهوذا: ما قلنا هذا لكم، ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً من بعده؛ فأنزل الله عز وجل: «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ» إلى قوله «وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
السُّدي: زعمت اليهود أن الله عز وجل أوحى إلى إسرائيل عليه السلام أن ولدك بِكري من الولد.
قال غيره: والنصارى قالت نحن أبناء الله؛ لأن في الإنجيل حكاية عن عيسى «أذهبُ إلى أبي وأبيكم». وقيل المعنى: نحن أبناء رسل الله، فهو على حذف مضاف. وبالجملة فإنهم رأُوا لأنفسهم فضلاً؛ فردّ عليهم قولهم فقال{فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } فلم يكونوا يخلون من أحد وجهين:
 إما أن يقولوا هو يعذبنا، فيقال لهم: فلستم إذاً أبناءه وأحباءه؛ فإن الحبيب لا يعذب حبيبه، وأنتم تقرّون بعذابه؛ فذلك دليل على كذبكم ـ وهذا هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف ـ
أو يقولوا: لا يعذّبنا فيكذّبوا ما في كتبهم، وما جاءت به رسلهم، ويبيحوا المعاصي وهم معترفون بعذاب العصاة منهم؛ ولهذا يلتزمون أحكام كتبهم.
وقيل: معنى { يُعَذِّبُكُم } عَذَّبكم؛ فهو بمعنى المُضِيّ؛ أي فلم مسخكم قردة وخنازير؟ ولم عذب من قبلكم من اليهود والنصارى بأنواع العذاب وهم أمثالكم؟ لأن الله سبحانه لا يحتج عليهم بشيء لم يكن بعد، لأنهم ربما يقولون لا نُعذَّب غداً، بل يحتج عليهم بما عرفوه. ثم قال{ بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } أي كسائر خلقه يحاسبكم على الطاعة والمعصية، ويجازي كلا بما عمل. { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } أي لمن تاب من اليهود. { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } من مات عليها. { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فلا شريك له يعارضه. { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ { أي يئول أمر العباد إليه في الآخرة(10)  تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي