الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية
المطهرة.
(1)التطاول على ذات الله تعالى:
يعرف الإنسان
من خلال تعامله مع الآخر, فإن كانت أخلاقه حسنة, كبر في أعين الناس, و إن كانت غير
ذلك سقط من أعين الناس. أما تعامل العبد مع ربه فهو في الغالب غيب لا يعلمه إلا
الله, و هو وحده سبحانه يجازي به "إنما الأعمال بالنيات". فكيف إذا
أخبرنا الله - عز و جل - بنفسه عن حال قوم قد أساؤا أدبهم معه – جل شأنه - فكيف
سيكون حكمنا عليهم أو تجاههم؟!
{وَإِن
يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ
وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة الأنفال (71).
وقال – جل شأنه -:
{أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ
وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ
آمَنُواْ سَبِيلاً} سورة النساء (51).
وقال – سبحانه وتعالى
-:
(وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ ) ( ال عمران – 78)
و قال – عز وجل
-:
" ٱتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
وَرُهْبَنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ
وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ
مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَحِدًا ۖ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَنَهُۥ
عَمَّا يُشْرِكُونَ) سورة التوبة 31
و قال – سبحانه
-:
" أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " سورة البقرة (100)
وكثير هي
الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل وإسائتهم الآدب مع الذات الإلهية.
إن كلام الله
لغني عن التعليق, والذي يظهر منه: التكبر و الكفر بنعمة
الله و عصيان أوامره و نقض عهوده ...كل هذه هي آداب اليهود مع ربهم. فهل حري بنا أن ننتظر احترام المواثيق
من قوم كهؤلاء؟!
لا ننفي أن من
أهل الكتاب
أمة مقتصدة, و لا نرى في اليهود أجمعين العداوة, لكننا إن قصدنا أحدا فإنما
نقصد من يحاربنا من اليهود و الصهاينة الذين يدعون الانتماء إلى الدين اليهودي
و الذين يستوطنون أرضنا و يقتلون أبنائنا.
لقد بلغ من عتو اليهود وشرهم ، أنه لم يسلم أحد من شرهم وإيذائهم وافترائهم
، حتى ذات الله جل جلاله وتقدست أسماؤه ، حيث جاء في
القرآن بعض ما وصفوا به ربهم ، مما لا يليق به وبجلاله وكماله وجماله،فهم من أخبث
خلق الله، حيث قلَّ أدبهم مع الله - تبارك وتعالى - ومع أنبيائه، ومن سوء آدبهم مع
الله – عز وجل:
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ
ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ
اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ
لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ}( سورة التوبة (30-31).
( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غلت أيديهم
ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) (المائدة: 64)
ففي الآية إخبار عن مقالة
اليهود الشنيعة ، عليهم لعائن الله ، حيث قالوا : إن يد الله تعالى
مغلولة ، أي موثقة ، يعني : عن الخير والإعطاء ، أي وصفوه بالبخل ! تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا
وقد رد الله تعالى عليهم ما قالوه وافتروه واختلقوه ، فقال ( غلت أيديهم ولعنوا بما
قالوا ) وهذا دعاء عليهم بجنس مقالتهم ، وهكذا وقع لهم ، وانطبق عليهم
، فإن عندهم من البخل والحسد والجبن ، ما ليس عند غيرهم من خلق الله تعالى .
قال السعدي في تفسيره: فكانوا أبخل الناس ، وأقلهم إحسانا ، وأسوأهم ظنا بالله ، وأبعدهم عن رحمته التي وسعت كل شيء ، وملأت أقطار العالم العلوي والسفلي
قال السعدي في تفسيره: فكانوا أبخل الناس ، وأقلهم إحسانا ، وأسوأهم ظنا بالله ، وأبعدهم عن رحمته التي وسعت كل شيء ، وملأت أقطار العالم العلوي والسفلي
ثم قال تعالى ردا عليهم ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )
قال الحافظ ابن كثير : أي : بل هو الواسع الفضل ، الجزيل العطاء ،
الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه ، وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده لا شريك
له ، الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه ، في ليلنا ونهارنا ،
وحضرنا وسفرنا ، وفي جميع أحوالنا ، كما قال ( وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا
نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) والآيات في هذه كثيرة
فيده سبحانه سحاء الليل والنهار – كما ورد في الحديث الصحيح -
مدرارا في جميع الأوقات والأحوال ، بل خيره وبره عم الجميع ، البر والفاجر
، والمؤمن والكافر ، كلاهما يرتع في خيره ورزقه وفضله ، لا يمنع منه
عاصيا ، وفضله على أوليائه أعظم وأبقى
فسبحان الملك العظيم ، البر الكريم ، لا نحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه تعالى ، وقبح من وصف ربه
بما لا يليق بعظمته وكبريائه
.
وهذه مقالة شنيعة أخرى يذكرها الله عن هؤلاء المتمردين ،
وأخبر أنه سمعها منهم ، وأنه سيكتبها عليهم ويحفظها – وهو تهديد لهم ووعيد - مع
أفعال أخرى لهم شنيعة ، وهي قتلهم الأنبياء البررة الناصحة لهم ، وأنه
سيجازيهم على ذلك العذاب الأليم المحرق .
روى الإمام محمد بن إسحاق بسند حسن : عن ابن عباس رضي الله عنه قال : دخل أبو بكر
الصديق رضي الله عنه بيت المدارس ، فوجد من يهود أناساً كثيراً قد
اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص , وكان من علمائهم وأحبارهم , ومعه حبر
يقال له أشيع , فقال له أبو بكر : ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم , فو الله
إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عنده , تجدونه مكتوبا عندكم
في التوراة والإنجيل , فقال فنحاص : والله يا أبا بكر ، ما بنا إلى
الله من حاجة من فقر ، وإنه إلينا لفقير ! ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا
! وإنا عنه لأغنياء ! ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم
صاحبكم ؟! ينهاكم عن الربا ويعطناه , ولو كان غنيا ما أعطانا الربا !! فغضب
أبو بكر رضي الله عنه فضرب وجه فنحاص ضربا شديداً , وقال : والذي نفسي
بيده ، لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله , فأكذبونا
ما استطعتم إن كنتم صادقين .
فذهب فنحاص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد ، أبصر ما صنع بي صاحبك , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : " ما حملك على ما
صنعت ؟ " فقال : يا رسول الله ، إن عدو الله قد قال قولا عظيما , زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء , فلما قال
ذلك , غضبت لله مما قال فضربت وجهه , فجحد فنحاص ذلك وقال : ما قلت ذلك
فأنزل الله فيما قال فنحاص ردا عليه ، وتصديقاً لأبي بكر { لَّقَدْ سَمِعَ
اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ
أَغْنِيَاء } الآية [ آل عمران : 181] . ( رواه ابن أبي حاتم – انظر حسن التحرير
1/ 309 (
-
رفضهم الجهاد مع نبي الله موسى – عليه السلام -: ومن سوء أدبهم مع الله تعالى ومع رسله أيضا : ما حكاه الله عنهم من ردهم القبيح ، وفي رفضهم عن الجهاد مع موسى - عليه الصلاة
والسلام - ، وتخلفهم عن نصرة دينهم ، وقتال عدوهم ، في قوله سبحانه {
قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا
قاعدون } ( المائدة
24)
فما أشنع وأقبح هذا الكلام ؟! الموجه منهم لله تعالى ورسوله ، في مقام حرج
، وحال ضيق ، دعاهم فيه إلى نصرة الله ورسوله ودينه.
في حين قال الصحابة الكرام لرسولهم - صلى الله عليه وسلم - حين
استشارهم للقتال يوم بدر ولم يكن واجبا عليهم ، قالوا له : والله يا رسول
الله ، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا
ههنا قاعدون) وكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ، ومن بيدك ومن خلفك ،
فرأيت وجه رسول الله-
صلى الله عليه وسلم - يشرق لذلك وسر بذلك .
رواه البخاري وأحمد
وفي رواية لأحمد والنسائي : " قالت الأنصار : والذي بعثك بالحق ، لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك ".
وفي رواية لأحمد والنسائي : " قالت الأنصار : والذي بعثك بالحق ، لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك ".
-
طلبهم بكل وقاحة رؤية الله: ومن سوء
أدبهم مع ربهم : أنهم طلبوا – وبكل وقاحة وجهالة – من نبيهم موسى - عليه
السلام - أن يريهم الله تعالى جهرة وعلانية !! وهو مما لا يطاق ولا يستطاع لهم كما هو معلوم ، وذلك بعد أن تبينت لهم آيات
الله عز وجل ، وآمنوا به وبرسوله عليه السلام ، قال سبحانه في
ذلك ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون
) ( البقرة : 55 )
أي : لن نؤمن لك حتى نرى الله عيانا ، برفع الساتر بيننا وبينه ، وكشف الغطاء دوننا ودونه حتى ننظر إليه بأبصارنا ، فأخذتهم الصاعقة ، صوتا كان ذلك أو نارا أو زلزلة أو رجفا ، قاله ابن جرير وأهل التفسير
أي : لن نؤمن لك حتى نرى الله عيانا ، برفع الساتر بيننا وبينه ، وكشف الغطاء دوننا ودونه حتى ننظر إليه بأبصارنا ، فأخذتهم الصاعقة ، صوتا كان ذلك أو نارا أو زلزلة أو رجفا ، قاله ابن جرير وأهل التفسير
وقال تعالى أيضا في ذلك ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم
كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة
فأخذتهم الصاعقة بظلمهم
) {النساء : 153)
فقوله تعالى ( فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ) توبيخ من الله جل ثناؤه ، وتقريع لهم ، لجهلهم بالله العظيم
الخالق البارىء ، ونقص عقولهم ، وجرأتهم عليه ، واغترارهم بحلمه عنهم ، وصبره
عليهم ، وتوضيح ذلك
لهذه الأمة وغيرها من الناس ، ألا يقعوا فيما
وقعوا فيه من هذا الذنب الذي استحقوا به عقوبة الله سبحانه بالصاعقة المهلكة .
-
طلبهم من موسى – عليه السلام – صنم
ليعبدوه: ومن ذلك أيضا : قال الله تعالى ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها
كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) {الأعراف : 138}
وذلك بعد أن أنجاهم الله سبحانه من عدوهم ، من فرعون وقومه ، وأهلكهم الله
وبنو إسرائيل ينظرون ،وذلك من كفرهم بالله تعالى وجهلهم وسفههم .
قال السعدي : وأي جهل أعظم من جهل الإنسان بربه وخالقه ،
وأراد أن يسوي به غيره ، ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ؟!ولهذا قال لهم موسى ( إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا
يعملون ) لأن دعاءهم إياها باطل ، وهي باطلة بنفسها ، فالعمل باطل ،
وغايته باطلة
( قال أغير الله أبغيكم إلها ) أي : أطلب لكم إلها غير
الله المألوه الكامل في ذاته ، وصفاته وأفعاله ( وهو فضلكم على العالمين )
فيقتضي أن تقابلوا فضله ، وتفضيله بالشكر ، وذلك بإفراد الله وحده بالعبادة
، والكفر بما يدعى من دونه.