الفصل الخامس: موقف الغرب الصليبي ( المسيحية السياسية
من الإسلام)
(5) التخطيط لتحقيق أهدافهم
رابعا تفريق شمل العرب ومنع وحدتهم:
العرب هم الذين حملوا لواء الإسلام إلى مختلف ربوع المعمورة، وإن وحدتهم تُقرب السبيل إلى وحدة المسلمين، ويؤيد ذلك ويدعمه ما ذكره مورو بيرجر حيث قال( لقد ثبت تاريخيا أن قوة العرب تُعني قوة الإسلام، فليدمروا العرب، ليدمروا بتدميرهم الإسلام.)
ولا ننسى ما قام به كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا سنة 1907 حيث قام بتشكيل لجنة من علماء التاريخ ورجال القانون و السياسة ليس من بريطانيا وحدها وإنما من عدة دول أوربية، ووجه بنرمان خطابا لهذه اللجنة محدداً لها مهمتها وأهدافها جاء فيه:
( إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى، ثم تستقر إلى حد ما، ثم تنحلَّ رويداً رويداً، وتزول، والتاريخ ملئ بتلك الأمثلة، وهي لا تتغير بالنسبة لأي إمبراطورية أو أمة، فهناك إمبراطوريات: روما وأثيبتا والهند والصين، وقبلها بابل وأشور والفراعنة وغيرها، فهل يمكن الحصول على أسباب أو وسائل تحول دون سقوط الاستعمار الأوربي وانهياره، أو تؤخر مصيره المظلم بعد أن بلغ الذروة الآن، وبعد أن أصبحت أوربا قارة قديمة استنفذت كل مواردها، وشاخت معالمها، بينما العالم الآخر لا يزال في شبابه يتطلع إلى مزيد من العلم والتنظيم والرفاهية؟.)
هذا ولقد ظل هؤلاء العلماء يبحثون ويتدارسون طيلة سبعة أشهر، ثم قدموا نتيجة أبحاثهم في هيئة تقرير سري خاص إلى وزارة الخارجية البريطانية ومن أبرز ما جاء في هذا التقرير:
إن الخطر ضد الاستعمار الأوربي في آسيا وفي أفريقية ضئيل، ولكن الخطر الضخم يكمن في البحر المتوسط، وهذا البحر همزة الوصل بين الغرب والشرق، وحوضه مهد الأديان والحضارة، ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوافر له وحدة التاريخ والدين واللسان، وكل مقومات التجمع والترابط، هذا فضلا عن نزعاته الثورية، وثرواته الطبيعية.
فماذا تكون النتيجة لو نقلتْ هذه المنطقة الوسائل الحديثة، وإمكانيات الثروة الصناعية الأوربية، وانتشر التعليم بها، وارتفعت الثقافة؟!
إذا حدث ما سلف فستحل الضربة القاضية حتما بالاستعمار الغربي، وبناءاً عليه، فإنه يمكن معالجة الموقف على النحو التالي:
§ على الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار تجزؤ هذه المنطقة... وتأخرها، وإبقاء شعوبها على ما هي عليه من تفكك وتأخر وجهل.
§ ضرورة العمل على فصل الجزء الأفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي، وتقترح اللجنة لذلك إقامة حاجز بشري قوي، وغريب، يحتل الجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقيا، بحيث يٌشكل في هذه المنطقة... وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار الأوربي... وعدوة لسكان المنطقة.
أريتم كيف يخططون لنا؟! وكيف قامت دولة إسرائيل؟! وأين قامت ؟!!
لذلك فقد عمد الغرب على إحكام قبضته الاستعمارية على البلاد العربية، بوسائل شتى ففي الماضي البعيد شرعوا في احتلال بعض البلاد العربية تحت زعم حماية المقدسات المسيحية من البربرية العربية، فكانت الحروب الصليبية، فلما فشلت في تحقيق الهدف والغاية، جاء الاستعمار الغربي الصليبي فاحتل كل البلاد العربية وعمد على بث روح الأمية والتخلف فيهم، وتحطيم أي مقومات للتقدم لديهم.
فلما فشل الاستعمار الغربي الصليبي شدو وثاق العرب بركاب الغرب الصليبي اقتصاديا وفكريا وسياسيا من خلال المنظمات الدولية التي لا تطبق عدالتها إلا على العرب كمجلس الأمن والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وصندوق النقد الدولي... الخ من تلك المنظمات التي تُتيح لهم التدخل في الشأن العربي، وفرض الهيمنة الغربية الصليبية عليهم، وذلك ليضمنوا سير العرب وفق المنهج الذي حددوه لهم.
بل أكثر من ذلك عمل الغرب الصليبي على بث روح الشك والريبة بل والفرقة بين الدول العربية، من خلال الإعلام المضلل، والدبلوماسية الكاذبة، ومنظمات المجتمع المدني التي عملوا على مدها بالمال لتسير وفق خططهم ومنهاجهم، ومن هنا انعدمت الثقة بين الدول العربية وبعضها البعض، وأضحت كل دولة تعيش في جزيرة منعزلة عن بعضها البعض، بل الأكثر من ذلك اجتهدوا في إضعاف أي دولة عربية تحاول النهوض أو التقدم من خلال إدخالها في الصراعات والحروب حتى تخور قواها، وليس ما جرى مع مصر في العدوان الثلاثي سنة 1956 ببعيد، وليست نكسة 1967 ببعيد، وعلى نفس الطريقة والشاكلة تم جر العراق إلى حرب إيران، بل الأكثر من ذلك تم دفع الكويت لاستفزاز العراق حتى احتلها العراق، فسارع الغرب الصليبي لنصرة الكويت ومعه العرب حتى انتهى الأمر باحتلال العراق وتسليمه للشيعة الصفوية لتمسخ هويته العربية، وليس ما جرى ويجري في بلدان الربيع العربي كما يسمون ببعيد.
ولقد ترتب على هذه الفُرقة بين العرب علاوة على تفككهم وضعفهم أن ضعٌفت جامعة الدول العربية حتى صار وجودها رمزا لا طائل من ورائه، بل الأكثر من ذلك أن غدا العرب يهرعون إلى الغرب الصليبي يطلبون حمايتهم ونجدتهم من منْ من إخوانهم العرب، وهذا ما يريده الغرب الصليبي ليستمر في العمل على إضعاف وتفرقة العرب، ومنع وحدهم التي تُشكل خطر عليه.