الأحد، 29 يناير 2012

(2) التجرد لله من أسباب النصر ---- الفصل الخامس: موقف الغرب ( المسيحية السياسية) من الإسلام (2) مختصر عن الحروب الصليبية ثامن عشر: العالم الإسلامي قبل الحملة الصليبية الثانية (2) التجرد لله من أسباب النصر

الفصل الخامس:
موقف الغرب ( المسيحية السياسية)
من الإسلام
(2) مختصر عن الحروب الصليبية
ثامن عشر: العالم الإسلامي قبل الحملة الصليبية الثانية
(2) التجرد لله من أسباب النصر

                                الدولة الفاطمية 
  لقد نكبت بلاد الشام، وأيضًا مصر،بالاحتلال العبيدي البشع بداية من سنة (359هـ) 969م، ولم يرفع عنها إلا عندما جاء السلاجقة وأخرجوا العبيديين في (477هـ) 1084م، أي بعد أكثر من مائة سنة كاملة, أما في مصر فقد استمر حكمهم لها مائة سنة أخرى، ولم ينتهِ إلا في سنة (567هـ) 1171م؛ وفي هذه السنوات الطويلة فرَّغ العبيديون البلاد المحتلة من علماء السنة، ونشروا البدع، ومنعوا التعليم الإسلامي الصحيح، ولم تكن لهم أبدًا قضايا جهادية، بل كانوا يحاربون المجاهدين ويؤذونهم، ويحالفون أعداء الأمة ويصادقونهم، وقد رأينا طرفًا من أعمالهم ومفاوضاتهم مع الصليبيين؛ وفي وسط هذا الجو الكئيب كان لا بد للشعب أن يخرج رخوًا مائعًا لا قضية له ! إنه حُرِم من العَالِم الذي يدله على الطريق، وحُرِم من المجاهد الذي يكون له قدوة، ولم يكن هذا لعام أو عامين ولكن لقرن كامل في الشام، وقرنين كاملين في مصر؛ ولذلك لم يكن متوقعًا من هذه البلاد أن تحمل على أكتافها قضايا المسلمين، حتى لو كانت هذه القضايا هي قضاياهم شخصيًّا !! فالأموال المنهوبة أموالهم، والديار المهدَّمة ديارهم، والأرواح التي أزهقت هي أرواح أبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم ! ثم إن الذي حرر الشام من العبيديين كان ظالمًا مثلهم، وإن كان سنيًّا !
تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان
فالذي تولى أمر الشام من السلاجقة هو تُتش بن ألب أرسلان، وكان على النقيض تمامًا من أبيه ألب أرسلان أو أخيه ملكشاه بن ألب أرسلان، والله ضرب لنا ابن نوح مثلاً لنفهم هذا التضارب في الشخصيات والأخلاق
لقد كان تتش ظالمًا مستبدًا، لا يهتم إلا بكرسيه، ولا ينظر إلا لمصالحه، ولا يسمع لرأي إلى جوار رأيه، ولا يعتبر بأرواح شعبه ولا أموالهم، ولا يحترم روابط دين أو عقيدة، ولا روابط دم أو نسب، فقطَّع علاقاته مع الناس أجمعين، وحارب هذا وذاك، حتى وصل به الأمر أن حارب بركياروق ابن أخيه ملكشاه بعد وفاة ملكشاه ! وكل ذلك طمعًا في توسيع رقعة ملكه؛ أملاً في زيادة ثروته،وكان من الطبيعي لشعب رُبِّي في هذا الجو الملبد بالظلم والقهر أن يخرج خانعًا خاضعًا ذليلاً، يُقاد بالسياط، ويقبل بانتهاك الحرمات، ويألف ضياع الحقوق, ولذلك لم يكن الصليبيون يختلفون كثيرًا في حسابات الشعب عن تتش بن ألب أرسلان أو عن العبيديين، بل إن بعض أفراد الشعب كانوا يتعاونون مع الصليبيين بغية طعام أو شراب أو مال أو إقطاع.
  قلعة حلب
ولم يختلف الحال كثيرًا بعد وفاة تتش مقتولاً في سنة (488هـ) 1095م؛ إذ قسمت الشام إلى نصفين بين ولديه رضوان ودقاق، فأخذ رضوان حلب، وأخذ دقاق الشام، وهما لم يختلفا في كثير أو قليل عن أبيهما، فقد ورثا عنه الظلم وسوء الأخلاق، فكانا وبالاً على شعوبهما، بل وعلى عامة المسلمين، بل إن رضوان بن تتش جمع إلى جوار ظلمه ظلمَ العبيديين، فتشيَّع وقرَّب الباطنية الإسماعيلية المجرمة
اسماعيل الصفوي

وحرضهم على جرائمهم المنكرة بغية إرهاب الناس وتثبيت ملكه, ولقد مرَّ بنا في هذه القصة - حتى الآن - جريمتان من إرتكابهما؛ الأولى كانت مقتل الوزير العظيم نظام الملك سنة (485هـ)، والثانية كانت مقتل جناح الدولة حسين بن ملاعب زوج أم رضوان بن تتش بتحريض من رضوان بن تتش نفسه، وذلك في سنة (495هـ)

  الوزير العظيم نظام الملك
وهكذا - بالتحليل السابق - فإنه ينبغي أن نتوقع في غضون الأيام والسنوات القادمة أن تهب حركة جهادية إصلاحية من شمال العراق، وأن يكون تفاعل الشعب معها في الشام ضعيفًا في البداية إلى أن تتغير الأجيال التي تربَّت على الذل والقهر، والبُعد عن الدين والشرع، وعندها سيكون لهم شأنٌ كبير في تغيير الواقع الأليم !
هذا ما ينبغي أن نتوقعه، وهذا ما حدث بالفعل ! وكان من أوائل بذور الخير ما رأيناه في سنة (496هـ) 1104م من تباشير حركة جهادية تهدف إلى مقاومة الصليبيين !

  قلعة دمشق
                                               كيف كان ذلك ؟! 
 أحد جسور الموصل
كان على رأس إمارة الموصل في ذلك الوقت جكرمش ، وقد صعد إلى كرسيِّ الحكم - كما ذكرنا - بعد فتنة حدثت بعد موت كربوغا أمير الموصل السابق ، وكان جكرمش شخصية ذات نزعة إسلامية واضحة، ورغبة في العدل والرحمة ، وقدرة على التعامل مع الناس ؛ ولذلك أحبَّه أهل الموصل وأطاعوه، غير أنه كانت له ميول استقلالية ، خاصةً أن الصراع كان دائرًا بين السلطان بركياروق وأخيه السلطان محمد ؛ مما جعل أفكار الاستقلال بالموصل تراود خيال جكرمش ، وإن كان في الظاهر يدين بالولاء للسلطان بركياروق .

غياث الدنيا والدين محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان توفي 1118 م
وفي نفس الوقت الذي رأينا فيه الاضطرابات في الموصل حدثت اضطرابات مماثلة في مدينة حرَّان، وهي مدينة تقع إلى الجنوب الشرقي من إمارة الرها الصليبية وعلى بُعد 200 كم تقريبًا شمال شرق حلب، وعلى نفس المسافة أو أكثر قليلاً شمال غرب الموصل، فهي مدينة في موقع مهمٍّ جدًّا؛ حيث إنها تسيطر على الطريق الذي يربط العراق بسوريا، أو الذي يربط الموصل تحديدًا بحلب، وقد حدثت فيها فتنة مماثلة لفتنة الموصل، وقُتل فيها عدة ولاة في وقت قصير، وتولى الأمر أخيرًا غلام تركي اسمه جاولي.
رأى الصليبيون هذه الأوضاع المتقلبة في حران والموصل ، فقرروا أن يستغلوا هذه الفرصة لتحقيق ضربة موجعة تحقق أغراضًا عدة للإمارات الصليبية الشمالية ، أعني الرها وإنطاكية .

  بلدوين دي بورج
لقد اتفق بلدوين دي بورج زعيم الرها بصحبة جوسلين دي كورتناي تابعه على مدينة تل باشر (وهي من أعمال إمارة الرها) مع بوهيموند أمير أنطاكية، ومعه تانكرد ابن أخته ونائبه على أن يقوم الجميع بعمل عسكري مشترك في غاية الخطورة، وهو الاستيلاء على مدينة حرَّان (في جنوب تركيا الآن) في خطوة مرحلية للاستيلاء بعد ذلك على مدينة الموصل ذاتها !

  جوسلين دي كورتناي
           إنهم بذلك سيحققون أهدافًا في غاية الخطورة !
أولاً: إنهم سيسقطون مدينة حران الشهيرة بثرواتها الطبيعية ومزارعها الخصبة.
وثانيًا: سيقطعون الطريق بين العراق والشام، ومن ثَمَّ سيتعذر على المعونات العسكرية السلجوقية أن تأتي من العراق إلى مدينة الموصل التي تظهر فيها دعوات الجهاد، والتي تتميز بصحوة إسلامية واضحة، فلو سقطت الموصل ضُرب المسلمون بذلك في عمقهم.
ثالثًا: ستفتح حران بعد ذلك الطريق إلى الموصل، والتي تظهر فيها دعوات الجهاد، والتي تتميز بصحوة إسلامية واضحة، فلو سقطت الموصل ضرب المسلمون في عمقهم.
ورابعًا: قد يفتح الطريق باحتلال الموصل إلى بغداد قلب العالم الإسلامي وعاصمة الخلافة، ولا شكَّ أن سقوط بغداد سيزلزل العالم الإسلامي كله، وقد يقع الجميع حينئذٍ تحت سيطرة الصليبيين.
وخامسًا: بالنسبة لبوهيموند، فإنَّ السيطرة على حرَّان ستؤدي إلى حصر حلب بين أنطاكية من الشرق وحران من الغرب مما يسهِّل إسقاط حلب، ومن ثَمَّ إنشاء دولة صليبية كبرى في شمال الشام بدلاً من إمارة أنطاكية الصغيرة.

تمثال لأبي النواس 762 -813م  145 -199هـ في العاصمة العراقية بغداد
إنها أهداف كبرى تجعل إسقاط حران حلمًا غاليًا عند الصليبيين؛ ولذلك تكوَّن جيش صليبي كبير يضم كل قادة الصليبيين في المنطقة، حيث كان فيه بلدوين دي بورج وجوسلين دي كورتناي وبوهيموند وتانكرد، إضافةً إلى عدد كبير من رجال الكنيسة في الرها وأنطاكية، هذا إضافةً - طبعًا - إلى جيش كبير يقارب العشرين ألف مقاتل.
لقد كانت هجمة في غاية الخطورة، خاصةً أن المدن الإسلامية المهمة في المنطقة - وهي الموصل وحران - خارجةٌ من فتنة كبيرة كما وصفنا، إضافةً إلى أن العلاقات كانت مضطربة جدًّا بين جكرمش أمير الموصل وسقمان بن أرتق أمير حصن كيفا (إلى الشرق من حران)؛ حيث كان سقمان مؤيدًا للأمير موسى التركماني الذي كان يتولى أمر الموصل قبل ثورة جكرمش عليه.
حران مدينة قديمة في بلاد ما بين النهرين تقع حالياً جنوب شرق تركيا
لقد تخير الصليبيون وقتًا حرجًا جدًّا، وانتصارهم في هذه الظروف قريب ! غير أن هناك أمرًا - ما حسب له الصليبيون حسابًا في ظل هذه الاضطرابات - حدث؛ وغيَّر هذا الأمر جدًّا من موازين القوى في المنطقة؛ لقد تبادل الزعيمان المسلمان جكرمش وسقمان بن أرتق الرسائل في وقت متزامن تقريبًا، يدعو فيه كل زعيم أخاه إلى نسيان الخلافات القديمة والتعاون المشترك ضد الصليبيين، وهذا رائع جدًّا أن تتم الوحدة بين المسلمين في ظروف الأزمات والنكبات، ولكن الأروع في قصتنا هذه أن كلا الزعيمين أعلن هذه الوحدة ليست لتحقيق نصرٍ، أو لتوسيع ملك، أو لتكثير ثروة، إنما هي لله !!
لقد جاء في رسالة كل واحد منهما للآخر ما رواه ابن الأثير حيث قالا : "إنني ما بذلت نفسي في هذا الأمر إلا لله تعالى وثوابه " .
وهذه هي المرة الأولى في قصة الحروب الصليبية التي نرى فيها راية الجهاد مرفوعة في سبيل الله، وبتجرد واضح؛ نعم الزمن زمن فتنة، والقلوب متقلبة، والأهواء مضطربة، والنفوس قلقة، ونوازع الملك والسيطرة كثيرة، والأحلام الشخصية موجودة، ولكن - بحمد الله – ما زال في النفوس خير، وما زال هناك منْ يعمل العمل ابتغاء مرضات الله.. وإنَّ من أروع ما في القصة أن تتزامن رسائل الزعيمين، دلالةً على أن الله أراد بهما وبالمسلمين خيرًا.
اقترب الجيش الصليبي الكبير من حران، وفرض عليها الحصار المحكم, وهو لا يعلم باتحاد الجيشين المسلمين للموصل وحصن كيفا؛ ولذلك كانت مفاجأة كبيرة جدًّا للصليبيين أن ظهر في الأفق الجيش الإسلامي المتحد، والمكوَّن من عشرة آلاف مقاتل، منهم ثلاثة آلاف من العرب والسلاجقة والأكراد تحت قيادة جكرمش، وسبعة آلاف تركماني تحت قيادة سقمان بن أرتق.
الرهاوية – قنشرة - نهر البليخ – ماردين - آمد الأدل (ديار بكر) – حران
وفي سنة (497هـ) 7 من مايو 1104م دارت موقعة شرسة بين المسلمين والصليبيين، وذلك على ضفاف نهر البليخ.. وقاتل في هذه المعركة بلدوين دي بورج وجوسلين دي كورتناي بكل قوتهما؛ لأن المعركة تدور تقريبًا في حدود إمارتهما ، أما بوهيموند فقد استفاد من درس أسره قبل ذلك ؛ ولذلك وقف في مؤخرة الجيش مع ابن أخته تانكرد ليؤمِّن ظهر الجيش الصليبي، وفي نفس الوقت ليؤمِّن لنفسه طريقًا للهرب !
وما هي إلا ساعات وانتصر الجيش المسلم انتصارًا مهيبًا قُتل فيه من الصليبيين أكثر من اثني عشر ألف مقاتل ! كما تمَّ أسر بلدوين دي بورج وجوسلين دي كورتناي !! هذا فوق عدد كبير آخر من الأسرى، إضافةً إلى كميات ضخمة من الغنائم والأموال والسلاح، وولَّى بوهيموند وتانكرد الأدبار مسرعين إلى أنطاكية !لقد كان نصرًا مجيدًا حقًّا !
ولم يتعرض المسلمون أثناء القتال إلى أزمة حقيقية، فقد كانت السيطرة لهم من بادئ الأمر، إلا أنهم تعرضوا لأزمة كبيرة بعد الموقعة، لكن - بفضل الله - كتب الله لهم منها النجاة؛ ذلك أن معظم الغنائم والأموال - وكذلك الأسيرين الثمينين - وقعوا في يد سقمان بن أرتق وجيشه، وخرج جكرمش خالي الوفاض من المعركة، وغضب جيش جكرمش وهم يشاهدون الثروات تقع في يد الجيش التركماني، وأغروا جكرمش بأخذ نصيبه منها، واقتنع جكرمش بذلك، وذهبوا للمعسكر التركماني، وقد وجدوا أن سقمان كان في مطاردة الصليبيين مع جزء من جيشه، فدخلوا خيمة الأسرى، واستطاعوا أن يأخذوا بلدوين دي بورج أمير الرها، والأسير الأعظم وعادوا به إلى معسكرهم !

إنها فتنة الدنيا !! وليس مستغربًا على هذا الزمن الذي اختلطت فيه المفاهيم جدًّا أن توجد هذه النوازع في نفوس الأمراء والمقاتلين،وعاد سقمان من مطاردته، وعرف بما حدث، وحضَّه جيشه على قتال جكرمش لأخذ الأسير الثمين، إلا أن سقمان رحمه الله وقف موقفًا لله هو من أعظم المواقف في حياته، ويدل دلالة واضحة على طيب معدنه، وصدق نيته؛ لقد قال سقمان لجيشه: "لا يقوم فرح المسلمين في هذه الغزاة بغمِّهم باختلافنا، ولا أوثر شفاء غيظي بشماتة الأعداء بالمسلمين ".
الله أكبر !!             إنه لا يريد أن يضيع سعادة المسلمين بالنصر باختلافهم على الغنيمة ، ولا يريد أن يشفي صدره من جكرمش ويسبِّب شماتة الأعداء في المسلمين , هذا هو التجرد الذي يُرجى من ورائه النصر !ثم إنه لم يكتفِ بذلك رحمه الله، بل استغل النصر الإسلامي المهيب، وأخذ ملابس الصليبيين وأسلحتهم، وألبسها لجنوده المسلمين كنوع من التمويه على الصليبيين، ثم مرَّ على عدة قلاع كان الصليبيون قد استولوا عليها، فيحسبهم الصليبيون إخوانهم وجيشهم فيفتحون القلعة، فيدخل المسلمون ويسيطرون على القلعة، وهكذا حتى تمَّ له السيطرة على عدة قلاع وحصون مهمة في المنطقة.
أما جكرمش فقد سار إلى حران، فتسلمها وضمها إلى الموصل، ولم يكتفِ بذلك بل قرر أن يأخذ جيشه - على قلته - ويحاصر إمارة الرها، وهو وإن كان يعلم أن هذه القوة القليلة ما تستطيع أن تفتح إمارة الرها الحصينة، إلا أنها كانت نوعًا من الحرب النفسية سيكون لها أشد الأثر على الصليبيين، خاصةً بعد هذه الهزيمة الثقيلة في حرَّان، أو في موقعة البليخ (نسبة إلى النهر الذي دارت حوله الموقعة(
لقد حققت هذه الموقعة آثارًا جلية، ولهذا كانت نقطة مضيئة جدًّا في الصراع الإسلامي - الصليبي، على الرغم من كونها على النطاق العسكري والإقليمي لم تكن من المواقع الكبرى, ولعلنا في هذه العجالة نقف على عشر نتائج مهمة لهذه الموقعة المهمة:
أولاً: ارتفعت الروح المعنوية للمسلمين بشكل لافت للنظر، وظلت هذه الموقعة محفورة في أذهانهم ولفترة طويلة، وليس ذلك لقتل عدد من الصليبيين أو أسر آخرين فحسب، ولكن لوضوح الرؤية عند المسلمين في هذه المعركة، ومعرفة المسلمين لأسباب النصر الحقيقية، ولرفع الكلمة الغالية: (الجهاد في سبيل الله)، ولرؤية ثمرة التأييد الرباني لمن سار في طريق الله، وتمسك به.
ثانيًا: لا شك أنه إن كان الأثر إيجابيًّا على المسلمين إلى هذه الدرجة، فإنه حتمًا سيكون سلبيًّا على الصليبيين وبدرجة أشد، ولقد شعر الصليبيون بالهزيمة النفسية، وبالإحباط الشديد الذي ظل متوارثًا فيهم ولأجيال متلاحقة، بل إننا لا نبالغ إن قلنا أن هذه المعركة كانت سببًا في تغيير طريقة التفكير للصليبيين في العراق وفارس، فهذه هي المرة الأولى - وكذلك الأخيرة - التي يفكر فيها الصليبيون في غزو هذه المناطق، وبذلك تكون هذه الموقعة - على بساطتها - قد وضعت حدًّا لأحلام الصليبيين وطموحاتهم.
ثالثًا : فَقَد الصليبيون في هذه الموقعة أكثر من إثني عشر ألف مقاتل ، لا شك أنهم أثروا تأثيرًا سلبيًا في قوة الصليبيين ، خاصةً أن الأوربيين فقدوا حماستهم في القدوم إلى أرض الإسلام بعد كارثة الحملة الصليبية التي جاءت سنة (494هـ) 1101م ، أي من ثلاث سنوات فقط ، ومن ثَمَّ تناقص عدد الجنود في إمارتي الرها وأنطاكية تناقصًا مزعجًا ، كان له أكبر الأثر في خطط الإمارتين .
رابعًا : لم تفقد إمارة الرها جنودًا فقط ، بل فقدت أميرها ونائبه ! فقد وقع بلدوين دي بورج ونائبه جوسلين دي كورتناي في الأسر ، ولا يعلم أحد متى يكون إطلاقهما ، وخاصةً أن كل واحد منهما مأسور في إمارة مختلفة ؛ فبلدوين في يد جكرمش أمير الموصل ، وجوسلين في يد سقمان أمير حصن كيفا وماردين ، وعلى هذا فلم يجد جيش الرها الصليبي من يتولى زعامة الإمارة في غياب الأميرين الكبيرين ، فعرضوا على تانكرد النورماني أن يتولى الإمارة لحين إطلاق سراح أحد الأميرين ، وبالطبع وجدها تانكرد فرصة سانحة لتحقيق طموحه , وهكذا كان تانكرد يعمل في أرض الشام كالجوكر الذي يستعان به عند الأزمات ، فهو تارة أمير للجليل في إمارة بيت المقدس ، وتارة أخرى أمير على أنطاكية في غياب بوهيموند ، وتارة ثالثة أمير على الرها في غياب بلدوين دي بورج .

  تانكرد النورماني
خامسًا : فقدت الإمارات الصليبية بعد هذه الهزيمة عدة قلاع وحصون ، بل وعدة قرى ومدن وأملاك ، وتغيرت جغرافية المنطقة تغيرًا ملموسًا ، ولم يكن الأمر واقفًا فقط عند القلاع التي حررها سقمان في أعقاب المعركة مباشرة ، وكانت كل هذه القلاع تابعة لإمارة الرها ، بل تجاوز الأمر كذلك إلى إمارة أنطاكية حيث فقدت هي الأخرى عددًا ضخمًا من القرى والحصون التابعة لها ؛ وقصة ذلك أن رضوان بن تتش ملك حلب لم يفكر في الإشتراك في هذه الحرب الإسلامية ، وإنما وقف بجيشه عند نهر الفرات يترقب الأحداث ، ويشاهد تطورات المعركة ، وعندما رأى هزيمة الجيش الصليبي ، وقتل عدد كبير من جنوده ، وفرار بوهيموند وتانكرد ، وأسر بلدوين دي بورج وجوسلين دي كورتناي ، وإتجاه تانكرد إلى الرها ليحكمها بدلاً من بلدوين دي بورج ، عندما رأى رضوان كل ذلك تجرأ على مهاجمة أملاك إمارة أنطاكية ، والتي كانت تابعة قبل ذلك لإمارة حلب ، فإسترد في أيام معدودات عددًا من القلاع والمدن القريبة من حلب مثل معرَّة مصرين وسرمين ، كما قام أحد الأمراء المسلمين في المنطقة - وهو شمس الخواص أمير رفينة - بإسترداد مدينة صوران شرقي شيزر ، كما لم تلبث الحاميات الصليبية في معرَّة النعمان والبارة وكفرطاب ولطمين أن تنسحب من جَرَّاء نفسها إلى أنطاكية ، وبذلك تقلصت حدود أنطاكية الشرقية جدًّا حتى وصلت إلى بحيرة العمق بعد أن كانت قد وصلت إلى مشارف حلب .

سادسًا : حافظ المسلمون بهذه الموقعة على الطريق بين الشام والعراق مفتوحًا وآمنًا ، ولمدة طويلة جدًّا من الزمان ، مما سهل بعد ذلك خروج الحملات المتتالية من الموصل وما حولها إلى حرب الصليبيين في الرها وأنطاكية وغير ذلك .

تخويف الناس و تهديدهم بالعقاب الالاهى على الخطايا و الذنوب كان من وسائل الوعظ والحث على الحروب الصليبية
سابعًا : أحدثت هذه الموقعة تغيرًا إستراتيجيًّا خطيرًا في المنطقة ؛ إذ بدأ الأرمن يتجرءون - وهذه أول مرةٍ في تاريخهم مع الصليبيين - على الصليبيين بطريقة جِدِّية ؛ لقد عانى الأرمن كثيرًا من جور الصليبيين، لكن لم يكن لهم طاقة بهم ، أما الآن - ومع هزيمة الصليبيين - فقد قرر الأرمن في بعض القلاع والمدن التي يغلب الأرمن على سكانها أن يتراسلوا مع الأتراك ليسلموهم قلاعهم ومدنهم، ويخرجوا بذلك عن حكم الصليبيين ، مفضلِّين بذلك حكم المسلمين على حكم النصارى الصليبيين ؛ ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث في قلعة أرتاح - وهي من القلاع فائقة الأهمية - حيث تشرف على مدينة أنطاكية ، ولقد ثار أهلها من الأرمن ضد حكم الصليبيين النورمان ، وسلموا قلعتهم دون جهد إلى رضوان ملك حلب ، ولم يكن هذا هو المثال الوحيد ، بل تكرَّر ذلك مع أكثر من قلعة وحصن .

ثامنًا : ألقيت بذور الضعف في إمارة الرها، فسكانها الأرمن فكروا فيما فكر فيه الأرمن في الأماكن الأخرى ، وبدءوا يثورون على حكم الصليبيين ، بل وتراسلوا في فترة من فتراتهم مع السلاجقة ، وهذا أدى إلى صراع ضخم بينهم وبين حكامهم من الصليبيين ، وسوف يؤدي مستقبلاً إلى صدامات خطيرة ، ولا شك أن هذه التداعيات سيكون لها أكبر الأثر في مستقبل هذه الإمارة القريبة من شمال العراق الغني - آنذاك - بالمتحمسين من أبناء الأمة الإسلامية .

الإمبراطور المعظم ألكسيوس كومنين الأول إمبراطور القسطنطينية
تاسعًا : لم يقف الحد عند نشاط المسلمين وسعيهم لتحرير بعض أراضيهم بل وصلت أنباء هذه الهزيمة للدولة البيزنطية ، وسرعان ما تحرك الإمبراطور المحنك ألكسيوس كومنين لإستغلال الفرصة ، وعمل في محورين خطيرين ؛ فكان المحور الأول محورًا بريًّا حيث وجَّه جيشًا إلى منطقة قليقية ، وإستطاع بسهولة ضم مدن قليقية الشهيرة ، وعلى رأسها طرسوس وأذنة والمصيصة إلى الدولة البيزنطية , أما المحور الثاني فكان محورًا بحريًّا حيث إستطاع الأسطول البيزنطي أن يسترد ميناء اللاذقية المهم ، بل وتمركز في عدة مواقع أخرى على ساحل البحر الأبيض المتوسط فيما بين اللاذقية وطرطوس ، فضلاً عن قلعة المرقب .

  اللاذقية
عاشرًا : تلقي بوهيموند أمير أنطاكية في هذه الموقعة وبعدها عدة طعنات نافذة أفقدته توازنه تمامًا ؛ مما أدى إلى قرار خطير جدًّا أخذه عن إضطرار ! لقد فَقَد بوهيموند في المعركة جزءًا لا بأس به من جيشه ، ثم فقد عددًا من القلاع والحصون والمدن والقرى في شرق أنطاكية ، وتعرض لهجوم رضوان بن تتش - مع ضعفه الشديد - على أملاكه وضياعه ، وتلقى ضربات قاصمة من الدولة البيزنطية فَقَد فيها إقليم قليقية بكامله ، إضافةً إلى فَقْد اللاذقية وغيرها من مراكز ساحلية ؛ كل هذه الخسائر العسكرية والسياسية أفقدته الكثير من هيبته وقيمته في المنطقة ، وهذا دفعه إلى الوقوع في جريمة أخلاقية أفقدته الكثير من سمعته عند الصليبيين ! وهذه الجريمة هي أنه كان محتفظًا بأسير مهمٍّ من أسرى جيش الموصل ، وهو من أمراء السلاجقة ، وقد عرض جكرمش أمير الموصل على بوهيموند أن يطلق هذا الأمير في مقابل أحد أمرين : إما أن يبادله ببلدوين دي بورج شخصيًّا ، وإما أن يدفع مبلغ 15 ألف دينار ! ولم يكن متوقعًا من بوهيموند أبدًا أن يقبل بالمال ويترك بلدوين دي بورج ، خاصةً أنه تلقى رسالة من بلدوين الأول ملك بيت المقدس وإبن عم بلدوين دي بورج تحضه على إطلاق سراح بلدوين دي بورج ، وأيضًا لا ننسى أن بوهيموند كان أسيرًا عند الملك غازي بن الدانشمند ، وقد حاول بلدوين دي بورج بكل وسيلة أن يطلق سراحه ، بل إن بلدوين دي بورج ساهم بمبلغ كبير في الفدية الضخمة التي دُفعت لفك أسر بوهيموند وهي مبلغ مائة ألف دينار ، وهو يمثِّل أضعاف ما سيأخذه بوهيموند نظير إطلاق الأمير السلجوقي؛ كل هذه العوامل كانت تحتِّم على بوهيموند أن يرفض المال ، وأن يبادل الأمير السلجوقي ببلدوين دي بورج أمير الرها ، إلا أن بوهيموند فاجأ الجميع - وفي نذالة بالغة، وخسة متناهية - وضحَّى ببلدوين دي بورج ، وأخذ المال وأطلق الأمير السلجوقي !! وكان هذا سببًا في بقاء بلدوين دي بورج عدة سنوات في الأسر .

الأمير بوهيموند بن روبرت جويسكارد أمير نورمانديا
وأدى هذا الفعل المشين إلى ردة فعل واسعة النطاق في الإمارات الصليبية حيث صار بوهيموند منتقدًا من الجميع ، وإزاء هذه الأزمات المتتالية ، وإزاء هذا الانعزال الصليبي عنه ، ونتيجة تكاثر الأعداء عليه، ونتيجة رؤية إمارة أنطاكية تتقلص تقلصًا سريعًا قرَّر بوهيموند قرارًا خطيرًا ، وهو أن يترك الساحة بكاملها وينطلق إلى أوربا !! وهو في هذا الانطلاق لا ينوي ترك أملاكه في الشرق ، فليس بوهيموند الذي يستسلم بسهولة ، ولكنه ينوي الذهاب إلى فرنسا وإيطاليا ليستعدي الجميع هناك على الدولة البيزنطية ، وقد كان بوهيموند يرى - وهو محق في ذلك - أن رضوان بن تتش ليس الزعيم الذي يُرهب ، وأنه من السهل أن يتخلص منه عند الحاجة ، ولكن الخطر الحقيقي على إمارته يكمن في الدولة البيزنطية ، وعلى هذا فقد رحل فعلاً بوهيموند إلى أوربا في أعقاب موقعة البليخ تاركًا تانكرد زعيمًا على إمارتي أنطاكية والرها ،وهكذا أُقصي بوهيموند الشرس من ساحة الصراع !

قبر بوهيموند في مدينة كانوسا جنوب إيطاليا
ولعله من المناسب هنا أن نعرض لقصته في أوربا حتى لا تضيع منا في خضم الأحداث الساخنة، فإن بوهيموند قد نجح فعلاً في تجميع الجيوش والأموال من فرنسا وإيطاليا لحرب الدولة البيزنطية ، وأقنع الجميع بضرورة الوقوف أمام أطماعها ، وصوَّر لهم أنها تتعاون مع السلاجقة المسلمين ضد الصليبيين ، وأنها كانت سببًا مباشرًا في هلاك حملة سنة (494هـ) 1101م ، وعلى هذا فقد تجهزت أوربا الغربية في جيش كبير من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإنجلترا وألمانيا بقيادة بوهيموند لحرب الدولة البيزنطية ، وتمت فعلاً موقعة فاصلة في ميناء دورازو ، وهو يحوي أقوى قلعة بيزنطية عند مدخل الأدرياثيك ، وتمت هذه الموقعة سنة (500هـ) 1107م بعد ثلاث سنوات من رحيل بوهيموند من أنطاكية ، وفي هذه الموقعة إنتصر الإمبراطور ألكسيوس كومنين - وقد حضر الموقعة بنفسه - إنتصارًا ساحقًا على بوهيموند وجيوشه ، وأرغم بوهيموند على توقيع اتفاقية إستسلام مخزية في مدينة دفول Devol سنة (501هـ) 1108م ، وفيها أقر بتسليم إقليم قليقية بمدنه الثلاث ، وكذلك ميناء اللاذقية إلى الدولة البيزنطية ، والإعتراف أن هذه ليست من أملاك أنطاكية ، كما اشترط الإمبراطور البيزنطي أن يعزل البطرك الكاثوليكي عن كنيسة أنطاكية ذاتها ، ويعيِّن بطركًا أرثوذكسيًّا ، وأن يتعهد بوهيموند بحرب إبن أخته تانكرد إذا رفض بنود هذه الاتفاقية !!
وأمام هذا الخزي الذي وصل إليه بوهيموند لم يستطع أن يعود إلى أنطاكية ، ولا أن يلتقي برفقاء الحملة الصليبية ، وعليه فقد عاد إلى صقلية بعد معاهدة دفول ليبقى هناك ثلاث سنوات في عزلة ومهانة حتى مات في سنة (504هـ) 1111م ، وقد خسر كل شيء !! وهكذا رأينا بوهيموند يفقد مستقبله السياسي تمامًا بعد هذه المعركة العجيبة : (معركة البليخ(
ولعل المحلل للأحداث قد يتعجب أن هذه النتائج الهائلة قد حدثت من جَرَّاء هذه المعركة البسيطة التي تمت في يوم واحد ، ولم يكن لها إعداد طويل ، وقُتل فيها من الصليبيين اثنا عشر ألفًا من المقاتلين ، بينما لم تكن نتائج معارك سنة (494هـ) 1101م ، والتي قُتل فيها أكثر من مائتي ألف مقاتل صليبي على نفس المستوى .
إن الفارق بين الموقعتين أن موقعة حران أو البليخ موقعةٌ رفعت فيها راية لا إله إلا الله ، وخلصت فيها النوايا لله ، وكانت موقعة ممثِّلة للإسلام ، فبارك الله في نتائجها وعظَّم من آثارها، بينما كانت مواقع مرسفان وهرقلة الأولى والثانية - على عظمها وضخامتها - مواقع لم تتم إلا للدفاع عن الأملاك والأرض والثروة والملك فقط ، ولم تكن فيها النفوس موجهة إلى الله ، وكان المشاركون فيها حريصين على قبض الثمن الدنيوي ، ودار القتال الحقيقي من أجل الحرص على تقسيم ثمرة المعركة، وهو القتال الذي لم نره في معركة البليخ، بل رأينا ورعًا من سقمان بن أرتق ، وبُعدًا عن النزاع والشقاق ، وحتى جكرمش - الذي حرص على أخذ شيء من الغنائم، وهذا في حدِّ ذاته ليس خطأً فاحشًا؛ لأنه وجنوده شاركوا بقوة في القتال - وجدناه على استعداد لبذل الأسير الثمين في مقابل إطلاق سراح أمير سلجوقي مسلم ؛ مما يدل على قيمة الأسير المسلم ، وروح المودة في الجيشين ، ولم يفعل مثلما فعل بوهيموند الذي آثر المال على تحرير بلدوين دي بورج، مع أهمية مركزه ووضعه .

إن الذي علينا هو توجيه النية لله وبذل الجهد قدر المستطاع ، والتوحيد بين صفوفنا أما النتيجة فالله كفيلٌ أن يبارك فيها ، ويضاعف من ثمارها ، فهو سبحانه القوي العزيز ،وإن كانت موقعة البليخ من الأخبار المفرحة في سنة (496هـ) 1104م ، فإنَّ هناك خبرًا مفرحًا آخر تمَّ في نفس السنة ، وإن كانت آثاره غير ذلك؛ فقد شهدت هذه السنة صلحًا بين الأخوين المتخاصمين والمتنازعين سلطاني السلاجقة بركياروق ومحمد ! وكان النزاع بينهما مستحكمًا وصل إلى حد الحرب والنزال ، مع حسن أخلاق كليهما ! ولكن بفضل الله إجتمع الأخوان في هذه السنة ، وتم بينهما الصلح عن تراضٍ من الطرفين ، لكن - للأسف - كانت نتيجة هذا الصلح هو تقسيم البلاد بينهما !! وهذا - لا شك - فكر معوج ، ومنهج منحرف، والله يقول : (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَإخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (
لقد قبل الأخوان بتقسيم المملكة التي تركها أبوهم ملكشاه بن ألب أرسلان إلى ثلاثة أقسام : الأول يحكمه بركياروق ويضم أصبهان وفارس ومعظم العراق دون شمالها ، ويتبعه في ذلك قسم بغداد ، بمعنى أن الخطبة في بغداد ستكون للخليفة المستظهر بالله والسلطان بركياروق , أما القسم الثاني فيحكمه محمد ، وهذا يضم أذربيجان وأرمينية وديار بكر والموصل ، مع أن الموصل كانت تحت حكم بركياروق قبل الصلح ، وهذا سيؤدي إلى بعض المشاكل التي سنتعرض لها , وأما القسم الثالث والأخير فلأخيهما الثالث سنجر ، وهذا يحكم خراسان (شرق إيران) وبلاد ما وراء النهر .
لقد كان هذا هو الحل الذي لجأ إليه الأخوان ، وهو خطأ شرعي سياسي لا ريب ، ولا ندري كيف وصل بهما الحال إلى الوقوع في هذا الخطأ ، مع ما يوصف به كل منهما من حسن الخلق ، وجمال السيرة ، والعدل في الملك ، وما إلى ذلك من صفات جليلة !
لكن الشاهد من الأحداث أن النفوس سكنت لهذا الصلح ، وعمَّ الأمن في البلاد ، وإختفت سحب الحرب التي كانت تظلل هذه المنطقة من العالم الإسلامي .
كانت هذه هي الأخبار في القسم الشرقي من العالم الإسلامي ، وهي مفرحة إلى حد كبير حيث تم إنتصار البليخ كما ذكرنا ، وكذلك الصلح بين الأخوين .