الخميس، 22 ديسمبر 2011

الفصل الرابع: المسيحية السياسية والمسيحية الدينية(ب)وضع و مكانة اليهود في أوربا في العصور الوسطى

 الفصل الرابع: 
المسيحية السياسية والمسيحية الدينية
سادسا: اضطهاد المسيحيين لليهود
(ب) وضع و مكانة اليهود في أوربا في العصور الوسطى:

حدد وضع الجماعات اليهودية في المجتمع الغربي في العصور الوسطي عنصران، أحدهما دنيوي والآخر ديني،

فقد أصدر قسطنطين (312 ـ 337م) تشريعات لتنظيم العلاقة مع اليهود، ولم تَعُد اليهودية بمقتضى هذه التشريعات «كوليجيوم» أو ديناً مشروعاً أو مباحاً (باللاتينية: ريليجيو ليكيتا religio licita) كما كانت أيام الرومان وإنما أصبحت «المذهب الشائن أو الشنيع». وأصبح محظوراً على اليهود الزواج من المسـيحيين، كما مُنع أي يهودي من التنـصر أو التبشـير بالدين اليهودي.

وحظرت تشريعات لاحقة على اليهود امتلاك عبيد مسيحيين أو حتى أي عبيد على الإطلاق وهو ما كان يعني استبعادهم من الزراعة، كما استُبعد اليهود من الخدمة العسكرية ومن الاشتغال بالطب.

وفي عام 438م. منع ثيودوس الثاني اليهود من شغل وظائف عامة. ورغم أن هذه التشريعات لم تؤخذ مأخذ الجد فإنها شكلت مع هذا الإطار القانوني الذي تحكَّم في علاقة اليهود بالمجتمعات المسيحية الوسيطة. وينبع موقف الكنيسة من أعضاء الجماعات اليهودية من فكرتين أساسيتين مختلفتين ومتكاملتين عن اليهود:
 
1 ـ  اليهود قتلة المسيح الذين أنكروه، ولذا لابد من عقابهم على ذلك.
 
2 ـ اليهود هم أيضاً الشعب الشاهد الذي عاصر أعضاؤه ظهور المسيح وبداية الكنيسة، وهم بتَمسُّكهم بشعائر دينهم التي ترمز إلى الشعائر المسيحية منذ القدم وبتدني وضعهم يقفون شاهداً حياً على صدق الكتاب المقدَّس وعلى عظمة الكنيسة.
 البابا جريجوري الأول
وقد تَمثَّل هذا الموقف المزدوج في سياسة الكنيسة التي وضعها البابا جريجوري الأول (الأعظم) (590 ـ 604) وآخرون من بعده، والتي ترى ضرورة الإبقاء على اليهودية وعلى الشعب اليهودي باعتباره شعباً شاهداً سيؤمن في نهاية الأمر بالمسيحية، ولذا ينبغي حماية اليهود من الدمار والإبادة، ولكن ينبغي في الوقت نفسه وضعهم في مكانة أدنى


لقد عاش اليهود في أوروبا في أحياء وحارات وأزقة يهودية، و ركزوا أهدافهم في الحصول على المال والذهب بكل الطرق الشرعية أو غير الشرعية ،فبالمال والذهب يمكن تسخير كل الشعوب وإخضاعها لإرادة الشعب اليهودى، وبدأت عمليات السيطرة على مصادر المال كاحتكار التجارة والصناعة والمراقص 

وبيوت الدعارة والسيطرة على وسائل الإعلام لنشر الأفكار المسمومة.
 سيطرة اليهود على وسائل الإعلام العالمية
لقد كان لسقوط الرومان أثراه الطيب في نفوس اليهود في كل أرجاء أوروبا وساروا بنجاح في تحقيق مخططاتهم ووصلوا لأعلى المراكز، وعاثوا في الأرض فساداَ، ولمعت أسماء يهودية من كبار التجار في أوروبا كاحتكاريين لتجارة الرقيق 
 مؤسس عائلة روتشيلد اليهودية
وبدأت صورة اليهودى الجشع في أذهان الأوربيين واضحة المعالم حتى صارت كلمة يهودي تُعني مرابي،
مما أغضب رجال الكنيسة الكاثوليكية في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي ...

 عاهرات يهود
لقد أخذت الكنيسة حذرها فعملت على وقف انتشار الفوضى والانحلال في ربوع البلاد، التي سعى اليهود في نشرها بسلوكياتهم التي تهدف إلى تحقيق أهدافهم حتى ولو أضرت بغيرهم،

ففي عام 1210م عقد اجتماع كنائسي لإنقاذ الموقف عرف باسم "اجتماع لاترين الرابع" ، واتخذ رجال الكنيسة الكاثوليكية قرارات هامة لوقف النشاط اليهودى المريب والحد من نشاطهم الخطير في مجالات التجارة والصناعة وخاصة فى فرنسا وانجلترا وأسبانيا وإيطاليا ويوغوسلافيا وغيرها
 البابا أنوسنت الثالث
وفى عام 1215م أصدر البابا أنوسنت الثالث بابا روما أمراً يحتم على اليهود أن يضعوا شارات تميزهم عن بقية المواطنين وبذلك يمكن الحذر واتخاذ الحيطة منهم وتشكلت لجنة بابوية للتحقيق فى أسباب الحروب الكثيرة بين دول أوروبا المسيحية بعدما تبين أن لليهود ضلع كبير فى اشعالها .

ويمكن اعتبار حروب الفرنجة التي تُعرَف اصطلاحاً باسم «الحروب الصليبية» التي كان لدسائس اليهود أكبر الأثر في إشعالها، فقد ذكر أحد أحبار اليهود  " لقد كانت الحروب الصليبية قمة نجاحنا فقد استمرت متقطعة أكثر من أربعمائة عام ثم أشعلنا الحروب الدينية بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية 
 الصراع الكاثوليكي البروتستانتي
وينبغى أن يستمر لهيب الحروب المقدسة مشتعلاً هنا وهناك فى أى مكان وبين الشعوب حتى نحقق رسالة الله فينا"
لقد كانت تلك الحروب نقطةً حاسمة في تواريخ أعضاء الجماعات اليهودية، فقد أثرت تلك الحروب على اليهود سياسيا واقتصاديا:
 فرسان الصليب
سياسيا: فقد كانت الحملة الصليبية الأولى نقطة تحول في حياة يهود أوروبا، فحتى ذلك الحين كانت هناك أعمال عنف محدودة وقليلة ضد جماعات اليهود . لقد كان منطق متعصبة الصليبين كما يلي : إذا كنا نحارب أعداء الرب، فلماذا لا نبدأ باستئصال أعدائه الذين يعيشون بيننا أي اليهود القاطنين في أوربا ؟ في عام 1096 ، قامت مجموعات من فرسان الصليبيين بذبح اليهود في مدن فرنسية وألمانية مدعين أنهم بذلك يثأرون من " قتلة المسيح " ، وقد عاونهم في فعلتهم الشنيعة هذه سكان تلك المدن مدفوعين بكراهية شديدة لليهود وبطمع في الاستيلاء على ممتلكاتهم

ففي مدينة مينتز Mainz الألمانية ، قتل أكثر من ألف يهودي، وفضل بعضهم الأخر قتل أنفسهم وقتل أولادهم على أن يعمدوا غصباً أو أن يلاقوا موتاً بشعاً على يد الصليبيين؛ ويكتب أحد المعاصرين لتلك الأحداث الدامية قائلا

"لقد هبوا بروح قاسية ضد الشعب اليهودي المتناثر في تلك المدن وذبحوهم دون رحمة ،ولست أدري ما الذي دفعهم إلى ذلك :اهو حكم الرب أم خلل في العقل ؟ وكانوا يؤكدون أن ذلك كان ما يتوجب فعله لأعداء المسيحية  عندما علم يهود مدينة مينتز بذبح إخوانهم في المدن الأخرى ، التجئوا إلى حمى الأسقف روثارد Rothard الذي أدخلهم إلى صالة منزله الواسعة جداً، ولكن الصليبين هاجموهم في تلك الصالة بالسهام والرماح , ثم كسروا الأبواب والمزاليج ، وقتلوا حوالي سبعمائة يهودي. لقد قتلوا النساء أيضاً ، وشقوا بسيوفهم أبدان الأطفال الناعمة دون اعتبار لجنس أو لعمر 

أن هذه الكراهية السامة والتي أطلقت عنانها الحملة الصليبية الأولى ، كانت مقدمة سلسلة مذابح أخرى راح ضحيتها اليهود في القرون الوسطي ،والتي كان بعضها نتيجة تحريض بعض رجال الكنيسة .

لقد نظر الملوك والسادة الإقطاعيين إلى اليهود على أنهم ممتلكات يجب استغلالها وفرض الضرائب الباهظة عليها . وفي بعض الفترات كان الملك يطرد اليهود برمتهم من جميع أراضى بلاده ليصادر أملاكهم .لقد طردوا من انجلترا عام 1290 ومن فرنسا عام 1306 .


كما أن الجماعة اليهودية التي كانت تقطن منذ قرون جنوب إيطاليا قد اختفت تماماً في الفترة ما بين عامي 1290 و 1293 بسبب عمليات الطرد والمذابح والإدخال القسري في المسيحية .
أما في ألمانيا ، فأن اضطرا بات وفتن كانت تنجم بين الحين والأخر أدت إلى تعذيب وقتل اليهود .

وعندما اكتسح الموت الأسود ( الطاعون ) أوربا عامي 1348 – 1349 ( والذي جاءت جرثومته إلى ميناء صقلية عام 1347 قادمة من مؤاني البحر الأسود ) ، اتهم اليهود بأنهم قد نشروا الوباء بتسميم مياه الآبار ، فاحرق آلا لاف منهم أحياءً في بازل وفرايبورج وستراسبورج ومينتز وغيرها من المدن الأوربية .

إقتصادياَ:
فقد تزامن مع تلك الحروب تحوُّل اقتصادي عميق في المجتمعات الغربية. وقد كانت هذه الحروب تعبيراً عن التحول المتمثل في ظهور القوى الاقتصادية المسيحية، مثل اللومبارد في إيطاليا والكوهارسين في جنوب فرنسا وفرسان الهيكل في فرنسا وغيرها من مناطق أوربا، والمتمثل أيضاً في ظهور جماعات رجال المال المحليين. 

لقد حلت هذه القوى الجديدة محل اليهود في التجارة الدولية أو في تجارة الجملة، وفي مجالات ونشاطات اقتصادية أخرى مثل إقراض المبالغ الكبيرة، الأمر الذي دفع اليهود إلى العمل في الربا والتجارة الصغيرة البدائية. واستمر هذا التيار في التَزايُد، وتبلور في القرن الثالث عشر الميلادي، واستمر حتى القرن الخامس عشر الميلادي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق