الاثنين، 17 سبتمبر 2012

(30) استبدالهم ما هو أدني مما هو خير من النعم أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. الفصل السادس: بني صهيون



الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
(30) استبدالهم ما هو أدني مما هو خير من النعم :
اتصف اليهود طوال حياتهم بعدم القناعة والرضا بقضاء الله، فلم يكتفوا بجحود نعم الله عليهم، بل وصل بهم الأمر إلى استبدال أفضل النعم بما هو أدنى منها وهذا ما خلده القرآن الكريم عنهم  في قوله تعالى:
في سورة البقرة حيث قال تعالى: { وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } (1) البقرة: 61
 أي : واذكروا يا بني إسرائيل ما كان من سوء اختيار من أسلافكم  ، وسوء أدب مع نبيكم موسى عليه الصلاة والسلام حيث قالوا له ببطر ، وكفر للعيش الرغيد الذي هم فيه  : لن نصبر على طعام المن والسلوى !  فادع لنا ربك أن يخرج لنا مما تنبته الأرض من خضرواتها وعدسها وبصلها ، لأن مللنا وسئمنا من المن والسلوى ؟!!
 قال الحسن البصري : فبطروا ذلك فلم يصبروا عليه ، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه ، وكانوا قوما أهل أعداس وبصل وبقول وفوم، فوبخهم موسى عليه السلام قائلا : أتختارون الذي هو أقل فائدة ، وأدنى لذة ، وأخس منزلة ، على ما هو خير لكم وألذ وأطيب ؟! ) اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم )
أي : إذا كان هذا مطلبكم ، فاتركوا هذا المكان الذي أنتم فيه ، وانزلوا إلى مصر من الأمصار ، تجدوا ما سألتموني إياه من البقل والفوم وأشباهه ، فليس هو بالأمر العزيز.
ثم ذكر تعالى العقوبات التي حلت بهم ، جراء كفرهم لنعمة الله عليهم  ،  فقال ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة  ) أي : وضعت عليهم الذلة والمسكنة ، وألزموا بها شرعا وقدرا ، فلا يزالون كذلك أبدا (وباؤوا بغضب من الله ) أي : رجعوا بغضب الله ، ووجب عليهم واستحقوه .
 قال الإمام البيضاوي:
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ } يريدون به ما رزقوا في التيه من المن والسلوى. وبوحدته أنه لا يختلف ولا يتبدل، كقولهم طعام مائدة الأمير واحد يريدون أنه لا تتغير ألوانه وبذلك أجمعوا أو ضرب واحد، لأنهما طعام أهل التلذذ وهم كانوا فلاحة فنزعوا إلى عكرهم واشتهوا ما ألفوه.
{ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } سله لنا بدعائك إياه { يُخْرِجْ لَنَا } يظهر ويوجد، وجزمه بأنه جواب فادع فإن دعوته سبب الإجابة. { مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ } من الإِسناد المجازي، وإقامة القابل مقام الفاعل، ومن للتبعيض. { مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } تفسير وبيان وقع موقع الحال، وقيل بدل بإعادة الجار.
والبقل ما أنبتته الأرض من الخضر والمراد به أطايبه التي تؤكل، والفوم الحنطة ويقال للخبز ومنه فوموا لنا، وقيل الثوم وقرىء قُثَّائها بالضم، وهو لغة فيه.

{ قَالَ } أي الله، أو موسى عليه السلام. { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ } أقرب منزلة وأدون قدراً. وأصل الدنو القرب في المكان فاستعير للخسة كما استعير البعد للشرف والرفعة، فقيل بعيد المحل بعيد الهمة، وقرىء «أدنأ» من الدناءة. { بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } يريد به المن والسلوى فإنه خير في اللذة والنفع وعدم الحاجة إلى السعي. { ٱهْبِطُواْ مِصْرًا } انحدروا إليه من التيه، يقال هبط الوادي إذا نزل به، وهبط منه إذا خرج منه، وقرىء بالضم والمصر البلد العظيم وأصله الحد بين الشيئين، وقيل أراد به العلم، وإنما صرفه لسكون وسطه أو على تأويل البلد، ويؤيده أنه غير منون في مصحف ابن مسعود. وقيل أصله مصراتم فعرب.
 { فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } أحيطت بهم إحاطة القبة بمن ضربت عليه، أو ألصقت بهم، من ضرب الطين على الحائط، مجازاة لهم على كفران النعمة. واليهود في غالب الأمر أذلاء مساكين، إما على الحقيقة أو على التكلف مخافة أن تضاعف جزيتهم. { وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ } رجعوا به، أو صاروا أحقاء بغضبه، من باء فلان بفلان إذا كان حقيقاً بأن يقتل به، وأصل البوء المساواة.
 { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما سبق من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب. { بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيّينَ بِغَيرِ ٱلْحَقّ } بسبب كفرهم بالمعجزات، التي من جملتها ما عد عليهم من فلق البحر، وإظلال الغمام، وإنزال المن والسلوى، وانفجار العيون من الحجر. أو بالكتب المنزلة: كالإنجيل، والفرقان، وآية الرجم والتي فيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة، وقتلهم الأنبياء فإنهم قتلوا شعياء وزكريا ويحيى وغيرهم بغير الحق عندهم، إذ لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز قتلهم، وإنما حملهم على ذلك إتباع الهوى وحب الدنيا كما أشار إليه بقوله: { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } أي: جرهم العصيان والتمادي والاعتداء فيه إلى الكفر بالآيات، وقتل النبيين.
 فإن صغار الذنوب سبب يؤدي إلى ارتكاب كبارها، كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها. وقيل كرر الإشارة للدلالة على أن ما لحقهم كما هو بسبب الكفر، والقتل فهو بسبب ارتكابهم المعاصي واعتدائهم حدود الله تعالى. وقيل الإشارة إلى الكفر والقتل، والباء بمعنى مع وإنما جوزت الإشارة بالمفرد إلى شيئين فصاعداً على تأويل ما ذكر، أو تقدم للاختصار، ونظيره في الضمير قول رؤبة يصف بقرة:
فِيها خُطُوطٌ مِنْ سَوادٍ وَبَلَق
   
كأنهُ في الْجِلِد تَوْلِيعُ البَهقْ
والذي حسن ذلك أن تثنية المضمرات والمبهمات وجمعها وتأنيثها ليست على الحقيقة، ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع. (2) تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل/ البيضاوي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق