الأحد، 16 سبتمبر 2012

(28) مخالفة القول والعمل أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. الفصل السادس: بني صهيون



الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
(28) مخالفة القول والعمل
  من بين الصفات القبيحة التي اشتهر بها اليهود ومارسوها في حياتهم مخالفة أقولهم لفعلهم، أي أنهم يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون، وقد أكد القرآن الكريم ذلك الفعل منهم في قوله تعالى:
{أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } (1) سورة البقرة:44
 قال الإمام الرازي:
اعلم أن الهمزة في أتأمرون الناس بالبر للتقرير مع التقريع والتعجب من حالهم، وأما البر فهو اسم جامع لأعمال الخير، ومنه بر الوالدين وهو طاعتهما، ومنه عمل مبرور، أي قد رضيه الله تعالى وقد يكون بمعنى الصدق كما يقال بر في يمينه أي صدق ولم يحنث، ويقال: صدقت وبررت، وقال تعالى{ ولكن البر من اتقى}(البقرة189 )
فأخبر أن البر جامع للتقوى، واعلم أنه سبحانه وتعالى لما أمر بالإيمان والشرائع بناء على ما خصهم به من النعم ورغبهم في ذلك بناء على مأخذ آخر، وهو أن التغافل عن أعمال البر مع حث الناس عليها مستقبح في العقول، إذ المقصود من أمر الناس بذلك إما النصيحة أو الشفقة، وليس من العقل أن يشفق الإنسان على غيره أو أن ينصح غيره ويهمل نفسه فحذرهم الله تعالى من ذلك بأن قرعهم بهذا الكلام.
واختلفوا في المراد بالبر في هذا الموضع على وجوه:
أحدها: وهو قول السدي أنهم كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وينهونهم عن معصية الله، وهم كانوا يتركون الطاعة ويقدمون على المعصية، وثانيها: قول ابن جريج أنهم كانوا يأمرون الناس بالصلاة والزكاة وهم كانوا يتركونهما.
وثالثها: أنه إذا جاءهم أحد في الخفية لاستعلام أمر محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: هو صادق فيما يقول وأمره حق فاتبعوه، وهم كانوا لا يتبعونه لطمعهم في الهدايا والصلات التي كانت تصل إليهم من أتباعهم، ورابعها: أن جماعة من اليهود كانوا قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرون مشركي العرب أن رسولاً سيظهر منكم ويدعو إلى الحق وكانوا يرغبونهم بإتباعه فلما بعث الله محمداً حسدوه وكفروا به، فبكتهم الله تعالى بسبب أنهم كانوا يأمرون بإتباعه قبل ظهوره، فلما ظهر تركوه وأعرضوا عن دينه، وهذا اختيار أبي مسلم.
وخامسها: وهو قول الزجاج أنهم كانوا يأمرون الناس ببذل الصدقة، وكانوا يشحون بها لأن الله تعالى وصفهم بقساوة القلوب وأكل الربا والسحت.
وسادسها: لعل المنافقين من اليهود كانوا يأمرون باتباع محمد صلى الله عليه وسلم في الظاهر، ثم إنهم كانوا في قلوبهم منكرين له فوبخهم الله تعالى عليه.
 وسابعاً: أن اليهود كانوا يأمرون غيرهم بإتباع التوراة ثم إنهم خالفوه لأنهم وجدوا فيها ما يدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم ما آمنوا به، أما قوله: { وتنسون أنفسكم } فالنسيان عبارة عن السهو الحادث بعد حصول العلم والناسي غير مكلف ومن لا يكون مكلفاً لا يجوز أن يذمه الله تعالى على ما صدر منه، فالمراد بقوله: { وتنسون أنفسكم } أنكم تغفلون عن حق أنفسكم وتعدلون عما لها فيه من النفع، أما قوله: { وأنتم تتلون الكتاب } فمعناه تقرأون التوراة وتدرسونها وتعلمون بما فيها من الحث على أفعال البر والإعراض عن أفعال الإثم.


 وأما قوله: { أفلا تعقلون } فهو تعجب للعقلاء من أفعالهم ونظيره قوله تعالى: {أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون }) الأنبياء67) وسبب التعجب وجوه:
الأول: أن المقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرشاد الغير إلى تحصيل المصلحة وتحذيره عما يوقعه في المفسدة، والإحسان إلى النفس أولى من الإحسان إلى الغير وذلك معلوم بشواهد العقل والنقل فمن وعظ ولم يتعظ فكأنه أتى بفعل متناقض لا يقبله العقل فلهذا قال: { أفلا تعقلون }.
 الثاني: أن من وعظ الناس وأظهر علمه للخلق ثم لم يتعظ صار ذلك الوعظ سبباً لرغبة الناس في المعصية لأن الناس يقولون أنه مع هذا العلم لولا أنه مطلع على أنه لا أصل لهذه التخويفات وإلا لما أقدم على المعصية فيصير هذا داعياً لهم إلى التهاون بالدين والجراءة على المعصية، فإذا كان غرض الواعظ الزجر عن المعصية ثم أتى بفعل يوجب الجراءة على المعصية فكأنه جمع بين المتناقضين، وذلك لا يليق بأفعال العقلاء، فلهذا قال: { أفلا تعقلون }.
 الثالث: أن من وعظ فلا بد وأن يجتهد في أن يصير وعظه نافذاً في القلوب. والإقدام على المعصية مما ينفر القلوب عن القبول، فمن وعظ كان غرضه أن يصير وعظه مؤثراً في القلوب، ومن عصى كان غرضه أن لا يصير وعظه مؤثراً في القلوب. فالجمع بينهما متناقض غير لائق بالعقلاء، ولهذا قال علي رضي الله عنه: قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك.
 
(أ) عن أنس رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام"مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من النار فقلت: يا أخي يا جبريل من هؤلاء؟ فقال هؤلاء خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ". (
(ب) وقال عليه الصلاة والسلام: " إن في النار رجلاً يتأذى أهل النار بريحه فقيل من هو يا رسول الله؟ قال: عالم لا ينتفع بعلمه"
 )ج) وقال عليه الصلاة والسلام: " مثل الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كالسراج يضيء للناس ويحرق نفسه "
( د ) وعن الشعبي: يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من النار فيقولون: لم دخلتم النار ونحن إنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم؟ فقالوا: إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله.
كما قيل: من وعظ بقوله ضاع كلامه، ومن وعظ بفعله نفذت سهامه. وقال الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره
   
   هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا
   
   كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
   
   فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدي
   
   بالرأي منك وينفع التعليم
قيل: عمل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل، وأما من وعظ واتعظ  فمحله عند الله عظيم.
 روي أن يزيد بن هارون مات وكان واعظاً زاهداً فرؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وأول ما سألني منكر ونكير فقالا: من ربك؟ أما تستحيان من شيخ دعا الناس إلى الله تعالى كذا وكذا سنة فتقولان له من ربك؟!
 وقيل للشبلي عند النزع: قل لا إله إلا الله فقال:
إن بيتاً أنت ساكنه
   
غير محتاج إلى السرج
(2) تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
 عن طارق بن شهاب رضي الله عنه قال جاء رجل من اليهود إلى عمر رضي الله
عنه فقال يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا نزلت هذه الآية علينا على معشر اليهود لاتخذنا هذا اليوم عيدا قال وأي آية قال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (3) رواه مسلم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق