الفصل السادس: بني صهيون
أولا: صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية
المطهرة.
(2معرفة الحق وكتمانه ، والإصرار على ذلك.:
ولقد ورد ذكر
هذه الصفة من صفات اليهود فيما يلي من آيات الذكر الحكيم:
·
قال تعالى
ناهيا اليهود عن ذلك الخلق السيء (
ولا تلبسوا الحق
بالباطل
وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) ( البقرة
: 42)
وبتدبر الآيات
ندرك أن الحق – تبارك وتعالى – قد نهى اليهود في الآية الكريمة عن أمرين هما:
الأول: عن خلط
الحق بالباطل ،وهذا من الصفات الأصيلة فيهم نوضحها في حينها فيما سيأتي من با قي
ما سيأتي ذكره من صفات اليهود إ ن شاء الله تعالى.
الثاني: كتمان بيان الحق الذي
يعرفونه ، ولكنهم يصرون على كتمانة بحثا عن مصالحهم وآمالهم الدنيوية، فالمقصود من العلم هداية الضالين إلى الطريق القويم، الذي يجهلونه
وبالعلم يعرفونه، ويدركون حقيقته، كما أنه بالعلم أيضا تقوم الحجة على المعاندين ، ويتميز الحق من الباطل
· وقال تعالى:) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ
آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا
أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ
رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) ( البقرة
: 76).
- جاء في التفسير الكبير للرازي:
اعلم أن هذا هو
النوع الثاني من قبائح أفعال اليهود الذين كانوا في زمن محمد
صلى الله عليه وسلم والمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن منافقي أهل
الكتاب كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا لهم: آمنا بالذي
آمنتم به ونشهد أن صاحبكم صادق وأن قوله حق ونجده بنعته وصفته في كتابنا،
ثم إذا خلا بعضهم إلى بعض قال الرؤساء لهم: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم
في كتابه من نعته وصفته ليحاجوكم به، فإن المخالف إذا اعترف بصحة التوراة
واعترف بشهادة التوراة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلا حجة أقوى
من ذلك، فلا جرم كان بعضهم يمنع بعضاً من الاعتراف بذلك عند محمد صلى
الله عليه وسلم وأصحابه، قال القفال: قوله: { فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ
} مأخوذ من قولهم قد فتح على فلان في علم كذا أي رزق ذلك وسهل له طلبه.
-
وجاء في تفسير ابن كثير:
وقوله تعالى: { وَإِذَا
لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوۤاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } الآية، قال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوۤا ءَامَنَّا } أي: إن صاحبكم محمداً رسول الله، ولكنه إليكم خاصة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا؛ فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم، فكان منهم، فأنزل الله: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ قَالُوۤاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ } أي: تقرون بأنه نبي، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه، وهو يخبركم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا، اجحدوه ولا تقروا به.
يقول الله تعالى: { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } وقال الضحاك عن
ابن عباس: يعني المنافقين من اليهود، كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا، وقال السدي: هؤلاء ناس من اليهود، آمنوا ثم نافقوا. وكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وغير واحد من السلف والخلف، حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيما رواه ابن وهب عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: "
لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن " فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق: اذهبوا فقولوا: آمنا، واكفروا إذا رجعتم إلينا، فكانوا يأتون المدينة بالبكر، ويرجعون إليهم بعد العصر، وقرأ قول الله تعالى:
[وَقَالَت طَّآئِفَةٌ
مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ
وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ ءَاخِرَهُ لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ][ آل عمران: 72]
وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة: نحن
مسلمون؛ ليعلموا خبر رسول-
الله صلى الله عليه وسلم - وأمره، فإذا رجعوا، رجعوا إلى الكفر، فلما أخبر الله نبيه
صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم، فلم يكونوا يدخلون، وكان المؤمنون يظنون
أنهم مؤمنون، فيقولون: أليس قد قال الله لكم كذا وكذا، فيقولون:
بلى، فإذا رجعوا إلى قومهم، يعني الرؤساء، قالوا:{أَتُحَدِّثُونَهُم
بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } الآية.
وقال أبو العالية
{ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } يعني: بما أنزل عليكم في
كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة {
أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم
بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ } قال: كانوا يقولون: سيكون نبي، فخلا بعضهم ببعض،
فقالوا { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ}
قول آخر في
المراد بالفتح: قال ابن جريج: حدثني القاسم بن أبي برزة عن مجاهد في قوله
تعالى: { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم
قريظة تحت حصونهم، فقال:
" يا إخوان القردة والخنازير ويا عبدة الطاغوت " فقالوا: من أخبر بهذا
الأمر محمداً؟ ما خرج هذا القول إلا منكم { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } بما
حكم الله للفتح؛ ليكون لهم حجة عليكم، قال ابن جريج عن مجاهد: هذا حين
أرسل إليهم علياً، فآذوا محمداً صلى الله عليه وسلم وقال السدي: { أَتُحَدِّثُونَهُم
بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } من العذاب { لِيُحَآجُّوكُم
بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ } هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا،
فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض: { أَتُحَدِّثُونَهُم
بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } من العذاب؛ ليقولوا: نحن أحب إلى الله منكم،
وأكرم على الله منكم.
وقال عطاء
الخراساني: { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } يعني: بما قضى لكم وعليكم. وقال الحسن البصري:
هؤلاء اليهود، كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا
خلا بعضهم إلى بعض قال بعضهم: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما
في كتابكم؛ ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم. وقوله تعالى: { أَوَلاَ
يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }
قال أبو
العالية: يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوباً عندهم، وكذا قال قتادة، وقال الحسن: { أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } قال: كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض، تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم؛ خشية أن يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند ربهم { وَمَا يُعْلِنُونَ } يعني: حين
قالوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم آمنا. كذا قال أبو العالية والربيع وقتادة.
-
وجاء في فتح القدير
للشوكاني:
{وَإِذَا
لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني
أن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا: { قَالُواْ ءامَنَّا
وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } أي: إذا خلا الذين لم ينافقوا بالمنافقين قالوا لهم عاتبين عليهم: { أَتُحَدّثُونَهُم
بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي:
حكم عليكم من العذاب، وذلك أن ناساً من اليهود أسلموا،
ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذّب به آباؤهم،
وقيل إن المراد ما فتح الله عليهم في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم معنى خلا. والفتح عند العرب: القضاء،
والحكم، والفتاح: القاضي
بلغة اليمن. والفتح: النصر، ومن ذلك قوله تعالى:
{ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ
كَفَرُوا}[البقرة: 89] وقوله:
{إِن
تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ} الأنفال:
19]
ومن الأوّل:
{ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ}سبأ:
26]
{وأنت خير الفاتحين}الأعراف: 89 أي: الحاكمين، ويكون الفتح بمعنى الفرق بين الشيئين،
والمحاجة: إبراز الحجة، أي: لا
تخبروهم بما حكم الله به عليكم من العذاب، فيكون ذلك حجة لهم عليكم،
فيقولون: نحن أكرم على الله منكم، وأحق بالخير منه. والحجة، الكلام المستقيم، وحاججت فلاناً، فحججته أي غلبته بالحجة. {
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ما
فيه الضرر عليكم من هذا التحدث الواقع منكم لهم. ثم وبخهم الله سبحانه { أَولا * يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا
يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } من
جميع أنواع الإسرار وأنواع الإعلان، ومن ذلك إسرارهم الكفر،
وإعلانهم الإيمان.
فهنا يصف الحق – تبارك وتعالى - حال
المنافقين من اليهود ، أنهم يظهرون بألسنتهم للمسلمين خلاف ما يبطنون .ومن أعظم ما يدل
ويؤكد ذلك :
- كتمانهم صفة النبي محمد - صلى
الله عليه وسلم -في التوراة والإنجيل
، ومحوهم لها ، وتبديلهم أوصافه ، قال سبحانه ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه
كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون * الحق من ربك فلا تكونن من
الممترين ) ( البقرة : 142)
وقال ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ... ) الأعراف : 157(
وقال ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ... ) الأعراف : 157(
فاليهود يجدون اسم
النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وصفته مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل ،
وكان ينبغي أن يكون هذا من أعظم الدواعي إلى الإيمان به وتصديقه واتباعه ، بل
كانوا يبشرون ببعثته قبل أن يبعث ، كما قال الله عنهم ( ولما جاءهم كتاب من
عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما
جاءهم ماعرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) البقرة : 89 )
وعن عاصم بن
عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا : إن
مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه لنا : لما كنا نسمع من رجال يهود -
وكنا أهل شرك أصحاب أوثان ، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا - وكانت لا
تزال بيننا وبينهم شرور ، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون
قالوا : إنه قد
تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فكنا كثيرا ما نسمع
ذلك منهم ، فلما بعث الله النبي- صلى الله
عليه وسلم -أجبناه حين
دعانا إلى الله تعالى ، وعرفنا ماكانوا يتوعدوننا به ، فبادرنا إليه فآمنا به ،
وكفروا به ففينا وفيهم نزل الآيات من البقرة ( ولما جاءهم كتاب من عند الله
مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ماعرفوا
كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) البقرة : 89) أخرجه ابن إسحاق في
السيرة وغيره ، وهو حديث حسن .
ومن صفته- صلى
الله عليه وسلم - عندهم
، ماأخرجه الإمام البخاري في صحيحه : عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال :
قرأت في التوراة صفة النبي- صلى الله عليه وسلم -محمد رسول ، عبدي ورسولي ،
سميته المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي
بالسيئة السيئة ، بل يعفو ويصفح ، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء ، بأن
يقولوا : لا إله إلا الله " .
فهم كانوا يعرفون
أن محمدا- صلى الله عليه وسلم - رسول الله ، ويتيقنون ذلك كما يتيقنون أبنائهم
بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم من الناس ، ولكن أكثرهم كتموا هذه
الشهادة وكفروا بالنبي الأمي العربي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : إن الصفات الموجودة في كتبهم ،
لا تنطبق على محمد - صلى الله عليه وسلم
!!- وليس هو المراد بها ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق