الفصل الخامس:
موقف الغرب ( المسيحية السياسية )
من الإسلام
(2) مختصر عن الحروب الصليبية
عاشرا: الإعداد للحملة الصليبية الأولى
اوربان التانى يُدشن الحروب الصليبيه فى كليرمونت 1095
لم تعرف
أوربا الغربية في هذا الوقت الوحدة بأي شكل من الأشكال ،
ولم يحدث منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية العظمى في سنة 476م - أي منذ أكثر من ستة قرون - أن
تجمعت جيوش الدول الأوربية الغربية في معركة
واحدة ، اللهم إلا المساعدات التي كانت تقدمها هذه الدول - وخاصةً فرنسا -
للممالك النصرانية في شمال الأندلس في حروبهم ضد مسلمي الأندلس .
الدولة الأموية في الأندلس
بل لم تعرف
الدول ذاتها في ذلك الوقت الوَحْدة الداخلية ، فكانت كل دولة أو مملكة مقسمة لعدة إقطاعيات ، وعلى كل إقطاعية أمير يحكمها فيما
يشبه الحكم الذاتي ، وإن كان يدين بالولاء
للملك الذي يجمع الإقطاعيات معًا ، وإن كان هذا الولاء كثيرًا ما يكون ولاءً شكليًّا لا واقعيًّا
خريطة تقريبية لمدن وسط آسيا وحدود الدولة السلجوقية والدول المجاورة لها في عام 432 هـ عندما اعترف الخليفة العباسي لأول مرة بالدول السلجوقية
إن وضعنا
هذه الخلفية في أذهاننا ، فإننا سندرك أن تجميع هذه الإقطاعيات المتعددة في جيش واحد منظم سيكون أمرًا صعبًا جدًّا ، بل إنه
يكاد يكون مستحيلاً ، وهذا سيعني أن الحملة
الصليبية غالبًا ستكون مكوَّنة من عدة جيوش منفصلة ، على رأس كل جيش أمير
له أحلامه الخاصة ، وله ولاءاته الخاصة أيضًا ، وقد يحدث التعاون بين هذه
الجيوش المتعددة في بعض المواقف ، ولكنه - لا شك - سيحدث أيضًا التعارض والتشاحن بين نفس الجيوش ، خاصةً أن
الكثير ممن شارك في هذه الحملة الصليبية
الأولي كان متنافسًا مع أمراء آخرين شاركوا في نفس الحملة ؛ مما سيفرز
مواقف ذات طابع خاص
كلها تثبت في النهاية أن المطامع الشخصية
والأهواء الخاصة كانت هي الدافع الوحيد لخروجهم - أو على الأقل لخروج معظمهم - ولم يكن في اعتبارهم أبدًا الدين أو الكنيسة أو الصليب .
وبالنظر إلى الجيوش التي كوَّنت الحملة الصليبية الأولى نجد أنها عبارة عن خمسة جيوش مستقلة :
وبالنظر إلى الجيوش التي كوَّنت الحملة الصليبية الأولى نجد أنها عبارة عن خمسة جيوش مستقلة :
-1- كان الجيش الأول بقيادة الفرنسي جودفري دي بوايون GODFREY DE Bouillon وهو أمير لوثرتجيا جودفري البولوني ، وكان بصحبته
أخوه الأمير بلدوين , كما التحق بجيشه عدة أمراء آخرين معظمهم من فرنسا ، وقد أعطت كثرة الأمراء في هذا الجيش
صبغة خاصة من الأهمية له ، وكانوا في
المعظم من منطقة اللورين شمال فرنسا، وكان في هذا الجيش أيضًا بعض الألمان
3- - وأما الجيش الثالث فكان بقيادة الأمير روبرت دوك نورماندي Robert Duke Normandy الذي كان يصطحب معه زوج أخته ستيفن كونت
بلوا Stephen Blois ، وكان هذا الجيش من
غرب فرنسا في الأساس ، إضافةً إلى جيش
نورماندي مع الكثير من الفرسان الإنجليز .
وهكذا نجد أن الجيوش الصليبية لم تجمعها قيادة موحَّدة ، بل كان القواد من البداية يتصارعون على القيادة العامة ، كما أن كل واحد منهم كانت أحلامه الخاصة تراوده في التوسع والتملك .
وكان أول
الجيوش تحركًا ووصولاً إلى الدولة البيزنطية هو الجيش الرابع الصغير ، ولكنه كان تعيس المصير ؛ إذ سلك الطريق البحري ، وأصابته
عاصفة شديدة بالقرب من سواحل
الإمبراطورية البيزنطية ، فهلك الكثير منه ، وأنقذت فرقة من البحرية البيزنطية بقية الجيش ، وقابل الأمير هيو الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين ، ولم يكن عجيبًا في مثل هذه الظروف أن
يُقسِم الأمير يمين الولاء والتبعية
للإمبراطور البيزنطي ..
أما الجيش الذي وصل بعد ذلك فكان الجيش الأول ، وهو جيش جودفري بوايون ،ونحتاج إلى وقفة مهمة مع هذا الجيش .
وكانت هذه
الحادثة علامة إنذار واضحة للإمبراطور البيزنطي تخيفه من هذه الجنود التي أتت من غرب أوربا ، ووقف الإمبراطور البيزنطي يحلِّل
الموقف بدقة ؛ إنه لم يأت بهؤلاء الجنود
إلى هذا المكان ، ولم يستنجد بالبابا إلا ليدفع خطر المسلمين ، ويعيد امتلاك ما أخذ منه على مدار السنوات
القادمة ، وعلى هذا فالذي كان في حساباته أن
هذه الجيوش ستكون كالجنود المرتزقة الذين تعوَّدت الإمبراطورية البيزنطية على استيرادهم قبل ذلك ، فهم سيقومون بمهمة ثم يأخذون أجرهم ، وينتهي بذلك دورهم
أما ما رآه الإمبراطور البيزنطي من آثار الحملات الصليبية السابقة ، ومن جيش جودفري بوايون الآن فشيء يدعو إلى القلق العميق ؛ لأن هذه الجموع التي جاءت بنسائها وأولادها جاءت لتستقر ، كما أنها لا تحسب حسابًا للدولة البيزنطية العظمي .. ثم إن الجيوش الصليبية النظامية كبيرة وقوية ، وهذا الجيش الأول بقيادة جودفري جيش محترف وله بأس وقوة ، فكيف إذا اجتمعت الجيوش الصليبية كلها ؟! ثم إن الإمبراطور البيزنطي استرجع بذاكرته قصة المغامر النورماندي رسل دي باليل Roussel De Bailleul الذي كان من الجنود المرتزقة المأجورة مع فرقته الإيطالية لدى الإمبراطورية البيزنطية ، ثم ما لبث أن أعلن عصيانه سنة 465هـ = 1073م - على الدولة البيزنطية وحاربها وأنزل بها ضررًا بالغًا
لذلك قرر الإمبراطور المحنك ألكسيوس كومنين أن يتعامل بالحزم من أول الأمر مع جودفري ، كما حرص كل الحرص على إنهاء مشكلته قبل أن يأتي جيش صليبي آخر فتزداد المشكلة تعقيدًا
الإمبراطور هنري الرابع
والأمير
جودفري بوايون وإن كان فرنسيًّا إلا أنه كان يدين بالولاء للإمبراطور الألماني القوي هنري الرابع ، ولم يكن يدين بالولاء للملك الفرنسي الضعيف آنذاك فيليب الأول ، وكان جودفري بوايون يحرص
على أن يكون قائدًا عامًّا لكل الحملة الصليبية
، يؤيده في ذلك كثرة الأمراء في جيشه خاصة .
الأمير ريمون دي سان جيل الرابع كونت تولوز
-2- أما الجيش الثاني فكان جيشًا مهمًّا أيضًا ؛ إذ كان على رأسه الأمير ريمون الرابع
كونت تولوز والبروفنسال ، وهو الجيش
القادم من جنوب فرنسا ، وكان هذا الجيش يكتسب أهمية خاصة لكون الأمير
ريمون يعتبر نفسه - كما كان جودفري بوايون - أهمَّ قواد الحملة الصليبية .. وكان الأمير ريمون أكبر الأمراء سنًّا
، كما أنه كان من أوائل الذين استجابوا
لدعوة البابا أوربان الثاني ، بل إنه صاحبه في أكثر من مؤتمر لجمع
المحاربين ، وهو الذي قبل ذلك شارك في حرب المسلمين في بلاد الأندلس ، وكان صاحب صبغة دينية واضحة ، وكان مقربًا
من البابا حتى إن البابا جعلَ في جيشه
هو دون غيره ممثلَ الكنيسة أديمار أسقف لوبوي ، وفوق كل ذلك فإن جيشه كان
أكبر الجيوش الصليبية ؛ كل هذه المقومات جعلت الأمير ريمون الرابع يطمع في أن تكون إمارة الجيوش العامة معه هو
، وليس مع غيره
فيليب الثاني أو فليب أغست
-4- وكان الجيش الرابع فرنسيًّا أيضًا
، ولكنه كان جيشًا صغيرًا ، ويبدو أنه كان تمثيلاً شرفيًّا لملك فرنسا
فيليب الأول ، حيث كان على قيادة الجيش شقيق الملك شخصيًّا ، واسمه هيو ،
وكان كونت قرماندوHugh count vermanois
الأمير بوهيموند بن روبرت جويسكارد أمير نورمانديا
5- - أما الجيش الخامس والأخير فكان جيشًا خطيرًا ومهمًّا ، وهو الجيش الإيطالي القادم
من جنوب إيطاليا ، والمكوَّن من المقاتلين
النورمان الأشداء ، وكان على قيادته الأمير الطموح بوهيموند ابن روبرت
جويسكارد , وكان هذا الأمير يطمح - كما كان جودفري بوايون وريمون الرابع
يطمحان - إلى قيادة الجيوش مجتمعة ، وكان يؤيِّده في ذلك أن جيشه هو أقوى الجيوش تنظيمًا ، وأكفأهم عسكريًّا ، وأشدهم قتالاً ، ثم إنه ابن روبرت جويسكارد ، وكان من أقوى
أمراء أوربا مطلقًا ، وهو الذي استطاع إخضاع
البلقان لسيطرته بعد أن هزم الدولة البيزنطية ذاتها
سقوط انطاكية
كما أن
لبوهيموند خبرة سابقة في حصار أنطا كية سنة 1081م ، ومواجهة الدولة البيزنطية هناك ، وكان بصحبة بوهيموند ابن أخته الأمير تانكرد ، وهو من الأمراء الأشداء الطموحين أيضًا ، كما اصطحب
أيضًا عددًا من الأمراء النورمان الأكفاء .وهكذا نجد أن الجيوش الصليبية لم تجمعها قيادة موحَّدة ، بل كان القواد من البداية يتصارعون على القيادة العامة ، كما أن كل واحد منهم كانت أحلامه الخاصة تراوده في التوسع والتملك .
الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين
كما أقسم على أنه سيبذل كل جهده لتحرير البلاد التي أخذها المسلمون من سلطان الدولة البيزنطية , ولم يكن هذا الجيش - كما هو واضح - مؤثرًا بشكل من
الأشكال في خط سير الأحداث . أما الجيش الذي وصل بعد ذلك فكان الجيش الأول ، وهو جيش جودفري بوايون ،ونحتاج إلى وقفة مهمة مع هذا الجيش .
حدود الإمبراطورية البيزنطية سنة 1081. ألكسيوس الأول كومنين
لقد سلك هذا
الجيش الطريق البريّ الذي سلكه قبل ذلك بطرس الناسك ووالتر المفلس وبقية الحملات الشعبي , وبالتالي
فسيمر على المجر وغيرها من المناطق التي تحمل ذكريات مؤلمة للأوربيين
الغربيين ، وقد تصطدم هذه الجيوش مع ملك المجر القوي كولومان ؛
الملك المجري كولومان
مما قد يعطِّل مسيرتها ويبدِّد قوتها ؛ لذلك
قرَّر جودفري بوايون في ذكاء شديد أن
يعقد اجتماعًا مهمًّا مع ملك المجر على الحدود الألمانية المجرية وقبل أن
يدخل الأراضي المجرية ؛ ليعقد معاهدة مع هذا الملك يضمن فيها عدم المساس بأية ممتلكات ، وعدم إيقاع الضرر بأي
إنسان مجريٍّ
الأمير بلدوين
ولكي يطمئن ملك المجر إلى
وفاء الأمير جودفري فإنه قرر أن يترك أخاه الأمير بلدوين رهينة عند ملك
المجر لحين عبور الجيش الصليبي ، كما أصدر جودفري الأوامر المشددة لجيشه
بعدم القيام بأي عمليات سلب أو نهب في المنطقة .
المجر
وهكذا عبر
الجيش الصليبي الأول مملكة المجر بأمان ، ثم عندما دخل إلى الأراضي البيزنطية قابل وفدًا للإمبراطور البيزنطي ، وذلك فيما بين
بلجراد ونيش ، وتعهد لهذا الوفد أيضًا
بعدم المساس بأية ممتلكات بيزنطية ، وفي المقابل تعهدت الإمبراطورية البيزنطية بتقديم كل ما يلزم الجيش الكبير
من تموين ومساعدات حتى وصولهم إلى أرض
المسلمين .
شاطئ بحر مرمرة
ثم أكمل
الجيش الصليبي طريقه حتى وصل إلى شاطئ بحر مرمرة عند مدينة سليمبريا Selymbria البيزنطية ، وذلك في 489هـ = منتصف
ديسمبر 1096م - وهناك فَقَد جودفري بوايون السيطرة
على جيشه الذي لم يستطع أن يتمالك نفسه أمام ثراء المدينة ، فقام الجنود
بسلب المدينة ونهبها .أما ما رآه الإمبراطور البيزنطي من آثار الحملات الصليبية السابقة ، ومن جيش جودفري بوايون الآن فشيء يدعو إلى القلق العميق ؛ لأن هذه الجموع التي جاءت بنسائها وأولادها جاءت لتستقر ، كما أنها لا تحسب حسابًا للدولة البيزنطية العظمي .. ثم إن الجيوش الصليبية النظامية كبيرة وقوية ، وهذا الجيش الأول بقيادة جودفري جيش محترف وله بأس وقوة ، فكيف إذا اجتمعت الجيوش الصليبية كلها ؟! ثم إن الإمبراطور البيزنطي استرجع بذاكرته قصة المغامر النورماندي رسل دي باليل Roussel De Bailleul الذي كان من الجنود المرتزقة المأجورة مع فرقته الإيطالية لدى الإمبراطورية البيزنطية ، ثم ما لبث أن أعلن عصيانه سنة 465هـ = 1073م - على الدولة البيزنطية وحاربها وأنزل بها ضررًا بالغًا
العلم النورماندي
ولم تنته قصته إلا بفَقْد عدد مهم من المدن البيزنطية أخذها السلاجقة المسلمون بعد الاتفاق مع الإمبراطور
البيزنطي على التخلص من رسل باليل في مقابل أخذ
ما يسيطرون عليه من المدن ، وإذا كان رسل باليل قد أحدث كل هذا الضرر
بثلاثة آلاف مرتزقة كانوا معه ، فكيف سيكون الحال مع جيش كجيش جودفري ، أو المصيبة الكبرى لو اجتمعت الجيوش
الصليبية كلها على أمر واحد لذلك قرر الإمبراطور المحنك ألكسيوس كومنين أن يتعامل بالحزم من أول الأمر مع جودفري ، كما حرص كل الحرص على إنهاء مشكلته قبل أن يأتي جيش صليبي آخر فتزداد المشكلة تعقيدًا
فماذا فعل
الإمبراطور البيزنطي ؟!
لقد طلب من
جودفري بوايون أن يقسم الولاء للإمبراطور البيزنطي ، وهذا يعني أنه سيقسم أن يكون تابعًا للإمبراطور البيزنطي في الأراضي التي
يمتلكها المسلمون الآن ، وبالتالي فإن
جودفري لو نجح في أخذها فسيأخذها لصالح الإمبراطور البيزنطي لا لصالح نفسه
، وبذلك يتحدد الوضع القانوني للبلاد منذ البداية ، ويحتفظ الإمبراطور
بكل الحقوق للدولة البيزنطية
وكان هذا - لا شك - طلبًا قاسيًا ، وشرطًا في غاية الصعوبة ! إن جودفري بوايون يدين بالولاء لإمبراطور آخر قد تتعارض أهدافه وأوامره مع الإمبراطور الأول ، ثم إن جودفري جاء بناءً على دعوة الكنيسة الكاثوليكية ، فكيف يُعطِي ولاءه للإمبراطور الذي يرعى الكنيسة الأرثوذكسية ! ثم فوق ذلك وقبل كل ذلك إنه يريد لنفسه السيطرة والملك ، وليس في اعتباراته أيُّ حقوق ماضية أو وقائع تاريخية , إنه يتعامل بأسلوب القراصنة ، ولا يحتاج لمبرر كي يستولي على أملاك غيره !!
ونتيجة لهذه
العوامل فإن جودفري قرر أن يُسوِّف في الاستجابة لطلب الإمبراطور البيزنطي ، وذلك حتى تأتي بقية الجيوش الصليبية ، ومن
ثَمَّ يستطيعون أخذ موقف موحَّد يحمي
أحلامهم ، ولا يورِّطهم فيما لا يريدونه .
غير أن
الإمبراطور البيزنطي لم يعجبه هذا السلوك وأدرك أهداف جودفري ؛ ولذلك فقد قرر عدم الانتظار ، وأخذ قرار قطع التموين الغذائي عن
جيش جودفري ، فما كان من الجيش الصليبي إلا أن ردَّ بسلب
ونهب الضياع والقرى المحيطة بالقسطنطينية ، وتأثر الإمبراطور
البيزنطي وقرر العدول عن رأيه ، وأعاد التموين للجيش الصليبي ، بل واستضاف
الجيش الصليبي في ضاحية بيرا Pera (وهي من ضواحي القسطنطينية) ، ولكنه ظل مطالبًا جودفري بأن يقسم له
بالتبعية والولاء ، ولكن جودفري ماطل من
جديد ، وظل على هذه المماطلة ثلاثة أشهر كاملة من يناير إلى آخر مارس سنة 1097م، بل إنه رفض أن يقابل
الإمبراطور البيزنطي أصلاً .
لكن في
أوائل إبريل 1097م علم الإمبراطور البيزنطي أن الجيش النورماندي الإيطالي (وهو الجيش الخامس) قد قارب الوصول إلى القسطنطينية ،
وكان يعلم قوة هذا الجيش وبأسه ، ولم يرد له
أن يلتقي مع جيش جودفري إلا بعد الانتهاء من مشكلة جودفري ؛ لذلك قرر من جديد أن يستثير جودفري بقطع الإمدادات
عنه ، فردَّ جودفري بمهاجمة بيرا
ونَهْبها ثم إحراقها ، بل قام بمهاجمة أسوار القسطنطينية نفسها ، وهنا اضطر الإمبراطور البيزنطي أن يخرج الجيش
البيزنطي بكامل عدته وقوته ، فلم يستطع
جودفري الصمود طويلاً أمامه ، وأدرك حجمه الحقيقي ؛ ومن ثَمَّ قرر في بساطة أن يغيِّر مبادئه وولاءه ، ويقسم
يمين التبعية للإمبراطور البيزنطي
وهكذا عقدت اتفاقية في أوائل إبريل 1097م ، أقسم بموجبها جودفري بوايون بالولاء والتبعية للإمبراطور البيزنطي ، وسُجِّل في هذه الاتفاقية أن كل الأراضي التي كانت مملوكة للدولة البيزنطية قبل موقعة ملاذ كرد ستعود ملكيتها للدولة البيزنطية في حال تحريرها على يد جودفري وجيشه ، وهذا يعني أن طموح الدولة البيزنطية لا يقف على آسيا الصغرى فقط ، بل يشمل أيضًا مدن أعالي الشام والعراق مثل أنطا كية والرها ، بل إن بعض التفسيرات البيزنطية للاتفاقية شملت بيت المقدس نفسه على اعتبار أنه كان مملوكًا للدولة البيزنطية أيام الإمبراطور جستنيان (حكم من 527 إلى 565م) ؛ وهذا سيؤدي إلى صراع طويل بين البيزنطيين والصليبيين طوال القرن التالي لهذه الاتفاقية .
وبعد هذه الاتفاقية أظهر الإمبراطور البيزنطي الوُدَّ الكبير لجودفري ، ومنحه كمًّا هائلاً من الهدايا القيمة ، غير أنه بسرعة نقله إلى آسيا الصغرى ليتجنب لقاءه مع جيش بوهيموند النورماندي ؛ وبذلك يستطيع أن يُملِي شروطه على بوهيموند بمفرده .
كانت هذه
مخاوف الإمبراطور البيزنطي ، غير أن بوهيموند قرر سلوك أسلوب آخر يضمن له المكاسب العظيمة ؛ لقد أدرك بوهيموند قوة الإمبراطورية
البيزنطية ، وأدرك أيضًا أن الجيوش الصليبية لن
تستطيع احتلال البلاد الإسلامية دون مساعدة البيزنطيين ، وأدرك ثالثة
الخلاف الذي حدث بين الإمبراطور البيزنطي وجودفري ، وكيف انتهى هذا الخلاف بقسم جودفري بعد أن فَقَد هيبته .
أدرك بوهيموند من البداية ذلك ، علاوة على إدراكه أنه قد تتاح له فرصة أن يتزعم الجيوش الصليبية جميعها إذا ناصره في ذلك الإمبراطور القويّ ، وعليه فقد أمر بوهيموند جنوده بالسلوك الحسن أثناء سيرهم في الأراضي البيزنطية ، وتوجَّه مباشرة إلى القسطنطينية ، وعلى أسوارها ترك تانكرد ابن أخته على رئاسة الجيش ، وتوجَّه هو إلى مقابلة الإمبراطور ليعلن بين يديه دون مقاومة قسمه بالولاء والتبعية للإمبراطور البيزنطي !
ولكنه في
ذات الوقت لم يعلن هذا القسم دون مطالب ، فقد طلب صراحة أن يمنحه الإمبراطور البيزنطي إقطاعية كبرى في منطقة أنطا كية ، وقد وافق
الإمبراطور على هذا الطلب لتصبح هذه الاتفاقية
بمنزلة الميلاد الأول لإمارة أنطا كية النورماندية فيما بعد ، وفوق ذلك
فقد طلب بوهيموند من الإمبراطور البيزنطي أن يجعله قائدًا عامًّا لكل الجيوش المشاركة في الحروب ، غير أن
الإمبراطور رفض هذا الأمر ، ولعله رفض ذلك لكي
لا يُرضِي جيشًا على حساب آخر ، وبذلك تظل كل المفاتيح في يده هو دون أن
يثير حفيظة أحد عليه .
وبعد هذه الاتفاقية نقل الإمبراطور البيزنطي الجيش النورماندي إلى آسيا الصغرى ليحتل موقعه إلى جوار جيش جودفري بوايون ، وكان ذلك في 26 من إبريل سنة 1097م .
أما الجيش الأخير وهو جيش روبرت أمير نورمانديا ومعه ستيفن أمير بلوا ، فقد وصل متأخرًا عن بقية الجيوش ، وكان قد جاء عن طريق إيطاليا ثم ركب البحر إلى البلقان ، ومنها اخترق الدولة البيزنطية إلى القسطنطينية ، ولم يُسبِّب أية مشكلة في طريقه ، ولم يمانع زعيمَا هذا الجيش في القسم بالتبعية والولاء لإمبراطور الدولة البيزنطية ، ومن ثَمَّ تم إغداق الهدايا عليهما ، ثم ساعدهما الإمبراطور في عبور البوسفور إلى آسيا الصغرى ليلحق هذا الجيش بالجيوش التي سبقت .
ومن المهم الآن أن نذكر أن أقل تقدير للمقاتلين الرجال في هذه الحملة الهائلة كان ثلاثمائة ألف مقاتل ، بينما يصطحبون معهم نساءهم وأطفالهم بأعداد ضخمة وصلت بالحملة إلى مليون إنسان ! فهؤلاء القوم قد جاءوا ومعهم سبعمائة ألف امرأة وطفل فمن ثمة فقد جاءوا ليستوطنوا لا ليحاربوا قومًا ثم يعودوا !
أما بالنسبة للإمبراطور البيزنطي فإنه رفض عرضًا من الصليبيين بقيادة الجيوش بنفسه ، وآثر أن يبقى في القسطنطينية الحصينة ملقيًا بالجيوش الصليبية في التجربة ، غير أنه حرص على إمداد الجيوش الصليبية بالمؤن اللازمة، وبالعيون والأدِلاَّء الخبيرة ، وأيضًا ببعض الضباط البيزنطيين أصحاب الخبرة في حروب المسلمين ، وهكذا صار الصدام بين الصليبيين والمسلمين قاب قوسين أو أدني .
وكان هذا - لا شك - طلبًا قاسيًا ، وشرطًا في غاية الصعوبة ! إن جودفري بوايون يدين بالولاء لإمبراطور آخر قد تتعارض أهدافه وأوامره مع الإمبراطور الأول ، ثم إن جودفري جاء بناءً على دعوة الكنيسة الكاثوليكية ، فكيف يُعطِي ولاءه للإمبراطور الذي يرعى الكنيسة الأرثوذكسية ! ثم فوق ذلك وقبل كل ذلك إنه يريد لنفسه السيطرة والملك ، وليس في اعتباراته أيُّ حقوق ماضية أو وقائع تاريخية , إنه يتعامل بأسلوب القراصنة ، ولا يحتاج لمبرر كي يستولي على أملاك غيره !!
وهكذا عقدت اتفاقية في أوائل إبريل 1097م ، أقسم بموجبها جودفري بوايون بالولاء والتبعية للإمبراطور البيزنطي ، وسُجِّل في هذه الاتفاقية أن كل الأراضي التي كانت مملوكة للدولة البيزنطية قبل موقعة ملاذ كرد ستعود ملكيتها للدولة البيزنطية في حال تحريرها على يد جودفري وجيشه ، وهذا يعني أن طموح الدولة البيزنطية لا يقف على آسيا الصغرى فقط ، بل يشمل أيضًا مدن أعالي الشام والعراق مثل أنطا كية والرها ، بل إن بعض التفسيرات البيزنطية للاتفاقية شملت بيت المقدس نفسه على اعتبار أنه كان مملوكًا للدولة البيزنطية أيام الإمبراطور جستنيان (حكم من 527 إلى 565م) ؛ وهذا سيؤدي إلى صراع طويل بين البيزنطيين والصليبيين طوال القرن التالي لهذه الاتفاقية .
وبعد هذه الاتفاقية أظهر الإمبراطور البيزنطي الوُدَّ الكبير لجودفري ، ومنحه كمًّا هائلاً من الهدايا القيمة ، غير أنه بسرعة نقله إلى آسيا الصغرى ليتجنب لقاءه مع جيش بوهيموند النورماندي ؛ وبذلك يستطيع أن يُملِي شروطه على بوهيموند بمفرده .
تفكك الدولة السلجوقية بعد وفاة ملكشاة
وما إن عبر
جودفري بجيشه إلى آسيا الصغرى حتى وصل بوهيموند النورماندي ! وكان هذا الجيش قد ركب البحر من إيطاليا ، ونزل عند مدينة أفلونا Avlona في ألبانيا ، ليخترق البلقان في طريقه إلى القسطنطينية .. وقد أفزع هذا
الجيش الإمبراطور البيزنطي ، لا لقوته
وبأسه فقط ولكن لتذكيره بما فعله رسل باليل النورماندي ، وكذلك ذكريات
حصار القسطنطينية 473هـ = 1081م على يد الأمير بوهيموند نفسه ، الذي يأتي
على رأس جيشٍ أضعاف الجيش القديم ، إضافةً إلى الجيوش الصليبية الأخرى .أدرك بوهيموند من البداية ذلك ، علاوة على إدراكه أنه قد تتاح له فرصة أن يتزعم الجيوش الصليبية جميعها إذا ناصره في ذلك الإمبراطور القويّ ، وعليه فقد أمر بوهيموند جنوده بالسلوك الحسن أثناء سيرهم في الأراضي البيزنطية ، وتوجَّه مباشرة إلى القسطنطينية ، وعلى أسوارها ترك تانكرد ابن أخته على رئاسة الجيش ، وتوجَّه هو إلى مقابلة الإمبراطور ليعلن بين يديه دون مقاومة قسمه بالولاء والتبعية للإمبراطور البيزنطي !
وبعد هذه الاتفاقية نقل الإمبراطور البيزنطي الجيش النورماندي إلى آسيا الصغرى ليحتل موقعه إلى جوار جيش جودفري بوايون ، وكان ذلك في 26 من إبريل سنة 1097م .
الأمير ريمون الرابع أمير تولوز والبروفنسال
وكان الجيش
الثاني في الوصول هو جيش جنوب فرنسا والبروفنسال تحت قيادة الأمير ريمون الرابع أمير تولوز والبروفنسال ، والذي سلك طريقًا
بريًَّا , ووصل إلى القسطنطينية في أواخر
إبريل سنة 1097م بعد أن قام ببعض التجاوزات في الطريق ؛ مما حدا بالجيش البيزنطي أن يردعه في بعض المواقف .. وعند
وصول هذا الجيش إلى القسطنطينية طلب
الإمبراطور البيزنطي من الأمير ريمون الرابع أن يحذو حذو الأمراء
السابقين ، ويقسم له بالتبعية والولاء ، ولكن هذا الطلب جاء متعارضًا تمامًا مع أحلام ريمون الرابع الذي كان يريد
قيادة كل الجيوش بحكم أنه المبعوث الرسمي
للبابا الكاثوليكي ، وفي جيشه أديمار المندوب البابوي ، فكيف يقسم الآن
لراعي الكنيسة الأرثوذكسية .. ثم إنه رأى أن منافسه اللدود بوهيموند النورماندي قد أصبح صديقًا حميمًا
للإمبراطور ، وهذا يعني أن ريمون إن أقسم
بالولاء للإمبراطور فقد يجعله تحت سيطرة وإمرة بوهيموند ، وهذا ما لا يقبله ريمون أبدًا ؛ لذلك أعلن ريمون الرابع
رفضه تمامًا لهذا القسم ، وأعلن أنه ما
جاء إلى هنا إلا للمحاربة من أجل السيد المسيح لا من أجل الإمبراطور
البيزنطي ، لكن الإمبراطور أصرَّ على هذا الطلب مما أنذر بصدام مسلح قريب ، وزاد الطينة بلة أن بوهيموند أراد الصيد في الماء العكر ، وذلك بإعلانه أنه في حال الصدام بين ريمون
الرابع والإمبراطور البيزنطي ، فإنه سينضم
بقواته النورماندية القوية إلى الإمبراطور البيزنطي ! وهنا تدخل
جودفري بوايون وأقنع ريمون الرابع أن يرضخ للإمبراطور لقرب مواقع المسلمين ، وأن احتمال هجومهم على الصليبيين
قريب ، فوافق ريمون على حلٍّ وسط يحفظ له
ماء وجهه ، وهو أن يقسم على احترام حياة الإمبراطور وشرفه ، وألا يرتكب أمرًا يغضب الإمبراطور .. وإزاء هذه
الأزمة قَبِل الإمبراطور بهذا الحل ، بل
إنه اجتمع بريمون الرابع اجتماعًا خاصًّا ذكر له فيه بدهاء أنه لا يطمئن لإعطاء بوهيموند إمارة الجيوش كلها ،
ولقد أتت هذه التصريحات أُكُلها ، وهدأت
نفس ريمون ، وقرَّر أن يتحالف بقوة مع الإمبراطور البيزنطي .أما الجيش الأخير وهو جيش روبرت أمير نورمانديا ومعه ستيفن أمير بلوا ، فقد وصل متأخرًا عن بقية الجيوش ، وكان قد جاء عن طريق إيطاليا ثم ركب البحر إلى البلقان ، ومنها اخترق الدولة البيزنطية إلى القسطنطينية ، ولم يُسبِّب أية مشكلة في طريقه ، ولم يمانع زعيمَا هذا الجيش في القسم بالتبعية والولاء لإمبراطور الدولة البيزنطية ، ومن ثَمَّ تم إغداق الهدايا عليهما ، ثم ساعدهما الإمبراطور في عبور البوسفور إلى آسيا الصغرى ليلحق هذا الجيش بالجيوش التي سبقت .
خريطة الحمله الصليبيه الأولى
بهذا تكون
الجيوش الخمسة قد وصلت ، ولم تخسر في الطريق شيئًا تقريبًا من قواتها ، اللهم إلا ما حدث للجيش الرابع من مهلكة في البحر إثر
العاصفة البحرية ، ولكنه كان جيشًا صغيرًا
غير مؤثِّر ، وبهذا وصلت الأعداد الغفيرة إلى آسيا الصغرى بلاد المسلمين ! ومن المهم الآن أن نذكر أن أقل تقدير للمقاتلين الرجال في هذه الحملة الهائلة كان ثلاثمائة ألف مقاتل ، بينما يصطحبون معهم نساءهم وأطفالهم بأعداد ضخمة وصلت بالحملة إلى مليون إنسان ! فهؤلاء القوم قد جاءوا ومعهم سبعمائة ألف امرأة وطفل فمن ثمة فقد جاءوا ليستوطنوا لا ليحاربوا قومًا ثم يعودوا !
أما بالنسبة للإمبراطور البيزنطي فإنه رفض عرضًا من الصليبيين بقيادة الجيوش بنفسه ، وآثر أن يبقى في القسطنطينية الحصينة ملقيًا بالجيوش الصليبية في التجربة ، غير أنه حرص على إمداد الجيوش الصليبية بالمؤن اللازمة، وبالعيون والأدِلاَّء الخبيرة ، وأيضًا ببعض الضباط البيزنطيين أصحاب الخبرة في حروب المسلمين ، وهكذا صار الصدام بين الصليبيين والمسلمين قاب قوسين أو أدني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق